Atwasat

زويله وككله وسونو

محمد عقيلة العمامي الثلاثاء 06 ديسمبر 2016, 12:31 مساء
محمد عقيلة العمامي

كنت قد سمعت من أحد (شيابنا) المباركين، في الربع الأخير من القرن العشرون: "أن المرء في الخمسين من العمر يعرف نفسه، وفي الستين يعرفه الناس" ولا أعتقد أنه الممتع معرفة واقع الحال عندما تصل السبعين.

والغريب أن متوسط العمر في حياة الإغريقي والروماني كان 33 سنة فقط وحتى مطلع القرن العشرين كان متوسط العمر 50 عاما. ولكن وبفضل التقدم العلمي أصبح منتصف العمر-وليس متوسطه- 35 سنة وهو العمر الذي يعد أكبر قليلا من ممارسة لعبة القدم والملاكمة، وأصغر من ممارسة رياضة لعب الورق وقيادة الأحوال. أقول لكم لأنني أصبحت أستمتع من الرياضة البحرية بالاستلقاء على كراسي البحر السريرية وتأمل البحر يلعق الرمال، وبالنظر إلى مخلوقات الله الجميلة التي تتحرك فوق الشواطئ البراقة النظيفة.

عندما كان المرء شابا كانت أحلامه بعدد النجوم تزين له مستقبلا كالسماء، أما بعد أن يتجاوز الأربعين فإنه يقتنع بأنه ثمرة جهده وتحدياته، وبعد الخمسين فلا يجد ما يبرر به عجزه في بعض الأحيان، سوى أن يعترف أنه فعل كل ما كان بمقدوره أن يفعل، والأهم أن يعرف أنه مازال يعمل ولكن مع رجال أصغر منه سنا، وأكثر همة، ومعرفة وذكاء. ولكن لا يستطيع بأي حال من الأحوال مجاراتهم ومنافستهم لسبب بسيط وهو أنه يثابر بشتى الطرق، محاولا أن يبقى فوق الأرض وليس بجوفها، في حين أن الأكثر شبابا يتطلعون إلى أن يكونوا في السماء طوال الوقت.

أنا أقول ذلك لأنني بدأت بحق أنتبه إلى أن ما بين سن العشرين وسن السبعين، نصف قرن فقط

أنا أخبركم عن هذه الحقائق التي دونت نتيجة دراسات ميدانية، لأنني تمنيت، الآن، وأنا في السبعين لو أنه بمقدوري أن أسافر إلى جبل نفوسه، وغدامس، وجنوب ليبيا، وبني وليد. أنا لم أر هذه الأجزاء من وطني لأنني كنت مشغولا بالساحل، وبالتأكيد لا أترك فرصة لأنتهزها لرؤية الساحل الآخر للبحر المتوسط، والصين والسويد، وكل العالم المضيء ولكنني غفلت عن وطني. لقد أثارني فعلا كتاب اسمه: "الثورة الليبية وتداعياتها" وهو ما نقوم بترجمته على حلقات أسبوعية بجريدة الوسط. هذا الكتاب في مجملة عدد من دراسات وتحقيقات ميدانية قام بها عدد من صحفيين مشهورين من العالم، تناولت إرهاصات ثورة 17 فبراير وتسلسل أحداثها فتحدثت عن الوضع قبل قيامها بإيجاز ثم دراسة لمناطق قيامها؛ بنغازي وبتوسع عن برقة والمجلس الانتقالي، وانتقلت إلى الحديث عن مصراته وسقوط طرابلس وفي تداعياتها تحدثت عن الزنتان بل جبل نفوسه كله، والأمازيغ، وبني وليد، التبو، والطوارق ... وباختصار مناطق ليبيا كلها.

ولكن صدمتي كانت كبيرة في حجم معلوماتي عن جغرافية، وديموغرافية بلادي. اكتشفت أن معلوماتي ضئيلة بل معدومة عن الكثير من ليبيا. كان كل ما أعرفه، وباختصار شديد، هو بنغازي ومدن الجيل الأخضر، مصراته وطرابلس أما البقية فمجرد أسماء. ولا تتصوري مدي إحباطي وخيبتي في معلوماتي وأنا الذي أعشق التاريخ الذي درسته في الجامعة وكثيرا ما تحدثت عنه في مواضيع متنوعة.
إن جهل سكان بلد بتقسيمات بلدهم، أي بلد، لا يخدم أبدا مصالحهم ولا توحدهم ولا قناعاتهم بتوافق يرضيهم جميعا، وإن كان قد تم من قبل توافق في قيام المملكة الليبية، فلقد فرضته الحاجة لاعتراف العالم بهم، ناهيك أن الله سخر لنا رجالا كانوا يرون أن مصلحة البلاد فوق أية رغبات أخرى، وإن كان توافق قد تم في فترة حكم القذافي، فقوة قمع ودهاء سياسي ومعرفة واسعة بتقسيمات القبائل والتعامل معها بمعرفة عميقة كانت قد نجحت على حد كبير في بقاء ليبيا موحدة، وإن التهميش الذي نال شرق ليبيا كان وراء ثورة فبراير.

أنا مع الذين يرون أن ليبيا واحدة موحدة وإن طال الزمن وأن التوافق سنصل إليه ولكن ليس بالسهولة التي يراها البعض فهناك من يعرف أن عدم الوصول إلى التوافق هو نهاية حتمية لوجوده. وكيفما سيصير الأمر فإنه ينبغي أن نعول كثيرا على وضع تاريخنا وجغرافية بلادنا في مناهج دراسية واضحة غير منقوصة من دون أن نمجد وقائع وأحداثا بعينها ونترك أخطاء من دون أن نوضحها لهم. نعلمهم كل صغيرة وكبيرة عن ديمغرافية سكان بلادهم: من هم؟ ماهي أصولهم؟ كيف جاءوا؟ وكيف استوطنوا؟ وتقسيمات قبائلهم وبطونهم وأسرهم وعاداتهم؟ عندئذ سوف يسهل التوافق. أما أن نغض الطرف عن الكثير من الحقائق ونترك لغير الليبيين مهمة نشرها وتفسيرها فذلك أمر يؤجل المشكلة ولا يحلها أبدا.

أنا أقول ذلك لأنني بدأت بحق أنتبه إلى أن ما بين سن العشرين وسن السبعين، نصف قرن فقط. ولكن تأملوا فقط كيف كان هذا العالم، الذي عشته، قبل هذا النصف؟ تأملوا فقط أنه كان عالما من دون وسيلة اتصال صغيرة تربطك بالعالم وتحملها في أصغر جيوبك، و(فيس بوك) يتابعك و(تويتر) يغرد طوال الليل والنهار. فهل سأل شباب بلادي من وادي سمالوس إن كان لهم أصدقاء من كاباو، أوالمشاشية أو الهيشة، أو سونوا؟