Atwasat

السويحلي وأمر الله

سالم العوكلي الأحد 06 نوفمبر 2016, 10:04 صباحا
سالم العوكلي

اللاشيء بجودة الشيء الذي لا نستطيع أن نقول بخصوصه أي شيء.
فتغنشتاين

"استقبل رئيس المجلس الأعلى للدولة في طرابلس، عبد الرحمن السويحلي، مساء الأربعاء، المبعوث الخاص للرئيس التركي إلى ليبيا أمر الله إيشلر والسفير التركي أحمد دوغان والوفد المرافق لهما في العاصمة طرابلس".
تكثر أخبار الاستقبالات في العاصمة، وكل أحد يستقبل من يريد بصفته سلطة عليا وممثلاً للشعب الذي يستقبل كل يوم كوابيس جديدة يصنعها ساسته المتكالبون على المال والسلطة. يعاني الخبر أعلاه من أغاليط، ولا يخلو من فكاهة، وكأنه نكتة في صفحات الطرائف في جرائد الشعبيات أيام زمان، فرئيس مجلس الدولة هو من نصب نفسه ولم ينصبه أحد، مثلما نصب القذافي نفسه ملك ملوك أفريقيا وإماما للمسلمين (غصبا عن اللي يحب واللي يكره).

من جانب آخر، فإن ما ورد في الاتفاق السياسي بخصوص مجلس الدولة هو تسميته بمجلس الدولة الاستشاري، والسويحلي بمزاجه هو من أصبغ عليه صفة (الأعلى) رغما عن الاتفاق السياسي وعن الأطراف الموقعة عليه وعن المجتمع الدولي المعترف به، وصفة (الأعلى) لأي مجلس تجعله أعلى سلطة في البلاد، وهذا تزوير خطير في اتفاق موقع عليه من أطراف عدة، والغريب أن معظم وسائل إعلامنا بدأت تتبنى هذه التسمية المزورة، ويشبه هذا التحريف التزوير الذي حدث من قِبَل جماعة الأخوان الليبية في قانون الانتخابات، فتغيرت جملة (المرشح المستقل) في النسخة المعتمدة بجملة (المرشح الفرد) حتى يتاح لحزب العدالة والبناء ـ الذي لا علاقة له بالعدالة والبناء بأية صلة ـ أن يخدع الناخبين ويمول خلاياه النائمة كي تصل إلى المقاعد النيابية بقناع المرشح الفرد.

يرد في الخبر أن رئيس مجلس الدولة المغتصب لهذا المجلس رحب "بالجهود التركية المبذولة لإحلال السلام والاستقرار في ليبيا ومساعدتها على تجاوز الأزمة الراهنة" مؤكدا "تضامن الليبيين مع الشعب التركي الصديق وحكومته في مواجهة محاولة الانقلاب الفاشلة التي جرت في يوليو الماضي".

مجلس الدولة الذي اغتُصِب وسُمي (الأعلى) فهو ينطبق عليه قول فتغنشتاين السابق: اللاشيء الذي بجودة الشيء الذي لا نستطيع أن نقول بخصوصه أي شيء

وكلنا يعرف أن تلك "الجهود التركية المبذولة" هي التي تقف وراء الفوضى والحرب في ليبيا، وهي التي تمول الميليشيات الخارجة عن القانون والجماعات المتشددة في ليبيا مثلما مولتها وساعدتها لوجستيا في سوريا، وهو أمر لم يعد خافيا على أحد، بل إن الأقمار الصناعية الروسية فرّجت العالم على طوابير الشاحنات المتجهة إلى تركيا محملة بالنفط المسروق من سوريا والعراق.

أما الحديث بالنيابة عن كل الليبيين في تضامنهم مع حكومة تركيا في مواجهة محاولة الانقلاب الفاشلة، فهذا تجنٍ على رأي شعب بأكمله وسرقة لصوته، لأن الكثيرين، ولن أقول كل الليبيين، كانوا يتمنون سقوط أردوجان لأنهم يعرفون أنه جزء أساسي من كل ما حدث في ليبيا من حروب وقتل وفتن، ولم يكونوا معنيين وقتها بالمسار الديمقراطي التركي ولا بقيم جمهورية أتاتورك ، لكنهم معنيون بنظام دولة خبيث يعبث بمستقبلهم عبر سلاحه وأمواله وعملائه، سواء كان ديمقراطيا أو استبداديا، شرعيا أو غير شرعي.

من جانب آخر لا أتصور كيف يدين السويحلي ومن معه الانقلاب العسكري في تركيا وهم المخططون للانقلاب المسلح على المسار الديمقراطي الليبي منذ بدايته، فضلاً عن مقاطعته ومريديه لمجلس النواب الذي اختاره الليبيون في انتخابات نزيهة، وتوجه ميليشياتهم لتدمير مطار طرابلس، وحرق مستودعات النفط الليبي، وتهجير عشرات الألوف من المواطنين الليبيين، ليضعوا بهذا الانقلاب المسلح البلاد على حافة التقسيم والحرب الأهلية والإفلاس.

من جهته يعرب المبعوث التركي خلال اللقاء عن "إدانة بلاده واستنكارها لحادثة اقتحام مقر المجلس الأعلى للدولة" مُعتبرًا ذلك «تقويضًا لجهود الحوار والسلام في ليبيا" ولا يستنكر اقتحام السويحلي لمجلس الدولة وتنصيب نفسه رئيسا له رغما عن الليبيين، وتزوير اسم هذا المجلس بما يخالف في ذلك كل بنود الاتفاق السياسي، وإن هذا الانقلاب الاستفزازي الذي قاده السويحلي الذي أحيا به جسما منتهية مدة ولايته الدستورية، وسرق بموجبه صلاحية مجلس انتخبه الليبيون، هو السبب الرئيس وراء تقويض جهود الحوار والسلام في ليبيا.

يُستقبل هذا الوفد الممثل للحكومة التركية وخلفه عشرات الألوف من الصحفيين وأساتذة الجامعة والمعلمين ونشطاء المجتمع المدني الذين تم اعتقالهم بطريقة لم يجرؤ عليها نظام استبدادي سابق إلا في ألمانيا فترة النازية. كما يُستقبل هذا الوفد في ليبيا وهو في ذروة تطبيع كامل للعلاقات بين تركيا أردوجان والكيان الصهيوني، وتوقيع اتفاقيات تعاون استراتيجي بما فيها اتفاقية دفاع مشترك. فضد من سيكون هذا الدفاع المشترك؟ وإسرائيل ليس لها أعداء سوى الفلسطينيين العزل في الداخل، وسوى الشعوب العربية المحيطة بها.

إن استقبال هذا الوفد المشبوه من قبل أشخاص لا شرعية ولا أهلية لهم في عاصمتنا إهانة لنا جميعا، وهي العاصمة نفسها التي قطعت علاقتها يوما مع مصر السادات حين طبع علاقاته مع الكيان الصهيوني، بل تسبب هذا التطبيع في حرب على الحدود الليبية المصرية.

كان أصدقاؤنا من بنغازي في الثمانينيات الذين يدرسون معنا في البيضاء يقولون حين يتعرض أحدهم لمشكلة أو مصيبة أو يرسب في مادة : أمر الله واندلف. ذكرني بذلك المبعوث التركي المدعو (أمر الله) الذي اندلف في عاصمتنا في غفلة من ضحايا سياسة حكومة هذا المبعوث في ليبيا. أما مجلس الدولة الذي اغتُصِب وسُمي (الأعلى) فهو ينطبق عليه قول فتغنشتاين السابق: اللاشيء الذي بجودة الشيء الذي لا نستطيع أن نقول بخصوصه أي شيء.