Atwasat

الحرب القادمة ستكون مع السلفيين

عمر الكدي الأربعاء 19 أكتوبر 2016, 12:01 مساء
عمر الكدي

بالرغم من التقدم الكبير الذي حققته قوات البنيان المرصوص في حربها ضد تنظيم داعش في سرت، إلا أن وجودها الطويل نسبيا على جبهات القتال كشف تناقضات كبيرة بين مكوناتها، فهي تتكون في معظمها من كتائب تنتمي إلى مدينة مصراتة، بالإضافة إلى كتائب أخرى من المنطقة الغربية، إلا أن التصنيف الجهوي والقبلي لا يشكل خطرا على تكوينها بقدر ما يشكله تصنيفها الآيديولوجي، خاصة بعد أن كشفت دراسة أمريكية أعدها الباحث في مركز كارنيغي لدراسات الشرق الأوسط فريدريك ويري، الذي أكد أن بعض قادة البنيان المرصوص من مصراتة منزعجون من عداء الكتيبة 604 مشاة للوحدات الأخرى ذات التوجهات الإسلامية المختلفة، وخاصة المجموعات المسلحة المنتمية لجماعة الإخوان المسلمين وللشيخ الصادق الغرياني، كما كشف ويري أن مشاركة السلفيين من خلال كتيبتهم 604 مشاة في القتال في سرت تخفي أهدافا أخرى للسلفيين، من بينها السيطرة على المؤسسات الدينية والتعليمية والأمنية.

وجود السلفيين قديم في ليبيا منذ عهد النظام السابق الذي احتضنهم إلى جانب الصوفيين، وكان الساعدي القذافي يشجع السلفيين ويحضر لهم من السعودية شيوخهم المفضلين مثل الشيخ الألباني وربيع المدخلي، كما شجع النظام السابق الطرق الصوفية وإقامة الحضرة بعد حظرها لأكثر من عقد كامل، والسبب أن المجموعتين لا تتدخلان في السياسة وتدعوان إلى طاعة ولي الأمر، وهذا ما فعله السلفيون بعد اندلاع ثورة 17 فبراير عندما طالبوا الناس بعدم الخروج والمكوث في بيوتهم، قبل أن يحملوا السلاح ويستهدفوا الأضرحة والمباني الأثرية.

بعد تحرير بنغازي بالكامل ستطالب الكتيبة السلفية التي تقاتل مع المشير حفتر بامتيازات قد لا يستطيع تلبيتها، وعندها ستبدأ الحرب لا محالة

قبل أن يسيطر تنظيم داعش بالكامل على سرت قاومه السلفيون، مما ترتب عليه اغتيال عدد من شيوخهم وخاصة خطباء المساجد، وفي عام 2015 انتفض السلفيون ضد تنظيم داعش الذي قمع الانتفاضة بشدة، ويرى الباحث الأمريكي فريديرك ويري أن معظم المنتفضين ينتمون إلى قبيلة الفرجان وورفلة اللتين يشكل أبناؤها معظم المنتميين للكتيبة المذكورة، وليس من قبيلة المعدان التي تعود أصولها إلى مدينة مصراتة، ويستنتج أنه بعد الانتهاء من تحرير سرت سيندلع الخلاف بين المكونات القبلية لسرت وهو ما يقلق المعدان الذين سيكونون ضحية للسلفيين.

في طرابلس وبنغازي يسيطر السلفيون على العديد من المساجد والمؤسسات الدينية، ويطمحون لتغيير مناهج التعليم لتصبح شبيهة بالمناهج السعودية، كما أنهم يشنون حملات تفتيش على المكتبات ويصادرون الكتب التي لا يرغبون أن يقرأها الناس، ويحذرون أصحاب المكتبات من إعادة عرض الكتب المصادرة للبيع.

عندما اندلعت ثورات الربيع العربي انزعجت دول الخليج وخشيت أن تطرق هذه الثورات أبوابها، وعندها قررت أن تفشل هذه الثورات التي قامت فقط في دول جمهورية وليس ملكية أو أميرية، فتقاسمت الأدوار وقررت السعودية تمويل السلفيين، بينما قررت قطر تمويل الإخوان المسلمين وفي ليبيا مولت أيضا الجماعة الإسلامية المقاتلة، في حين فضلت الإمارات تمويل الليبراليين، وليس سرا أن المجتمع السعودي منقسم بشدة بين أتباع المذهب الوهابي والليبراليين، إلا أن السيطرة لا تزال بيد الوهابيين الذين يشكلون الركيزة الثانية للنظام السعودي بعد العائلة المالكة، وتتحكم هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في جميع المؤسسات الدينية، وأيضا في المناهج التعليمية كما أن لها شرطة دينية تجوب الشوارع للحفاظ على الآداب العامة، وبعد أن وصل السلفيون إلى تونس ودخلوا إلى مجلس الشعب المصري، تخلوا عن المبدأ السابق بعدم التدخل في السياسة وغرقوا في رمالها، وإذا كان تأثيرهم لا يزال ضعيفا في هذين البلدين، إلا أن تأثيرهم سيتعاظم في ليبيا وربما سنشاهد شرطة دينية تجوب شوارع المدن الليبية تأمر وتنهي، في ظل ضعف المؤسسة العسكرية والأمنية، وهو ما يرجح أن الحرب القادمة ستكون مع السلفيين، فبعد تحرير بنغازي بالكامل ستطالب الكتيبة السلفية التي تقاتل مع المشير حفتر بامتيازات قد لا يستطيع تلبيتها، وعندها ستبدأ الحرب لا محالة.