Atwasat

عجز كيري وشروط السراج الكاره!

أحمد الفيتوري الأربعاء 05 أكتوبر 2016, 01:03 مساء
أحمد الفيتوري

(تقدم فترات الأزمة مناسبات مفيدة لفهم كيفية تجميع وإعادة تنظيم هذه العوالم.غالبا ما يكون الإعلان عن أزمة محاولة لإدخال قوى جديدة أو تحديد مخاطر يجب اتخاذ قرارات إزاءها وهي تتطلب أيضا تحديد الموضوع أو الموضوعات المجمعة المعرضة للخطر. وقد تفلت القوى المدخلة والمخاطر المحددة والموضوعات المجمعة جميعا من سيطرة من يحاولون تعبئتها أو السيطرة عليها)

- ديمقراطية الكربون، السلطة السياسية في عصر النفط - تيموثي متشل – ترجمة بشير السباعي وشريف يونس – ط (1) المركز القومي للترجمة – القاهرة – 2014.

خلال الأيام الماضية عُني العالم بالتصريحات المسربة عن كيري وزير الخارجة الأمريكية والتي حصلت في اجتماع له بالمعارضة السورية، وفحواها في المختصر المفيد وفي تقديري أن السيد الوزير أفصح عن عجز يخصه في معاضدة سوريا الثورة لسببين هامين: أولهما وآخرهما أن إرادة دولته لا إرادة لها في تلكم المعاضدة، وذا ناتج عن انقسام في الإدارة السياسية التي كيري جزء منها وأن الطرف المضاد رجحت كفته، وهكذا يظهر كيري على حقيقته فهو يكشف عن عدم القدرة المبني على إرادة سلبية لإدارة أوباما، ويفشي سر التباطؤ والتمطيط في السياسة الأمريكية ما بعد الربيع العربي هذه السياسة ذات الوجهين: أحدهما يدعم التصعيد الحاصل في المنطقة والآخر انسحابي أو متفرج في أحسن الأحوال، وكأن المسكوت عنه في هكذا استراتيجية: فخار يكسر بعضه.

ومن جهتي أذكر أني كتبت مقالة تحت عنوان "2017" نشرت بالوسط ختام العام الماضي كان تعليقا على تصريح لأوباما أدلى به حينها، فحواه أن ليس المنتظر ولا متوقعا أي حلحلة للشرق الأوسط ولما حاصل فيه من قلاقل وحروب حتى نهاية عام 2017 أي إلى ما بعد نهاية ولاية باراك أوباما الثانية والأخيرة، وبينت في المقال أن المشروع السياسي لهذه الإدارة: أن تظهر عجزها وخطلها وعدم إلمامها بالمسألة، وأن تحض على الحلول المنبثقة من المنطقة لكن لا تفعل شيئا في اتجاهها، وأن تدفع الأطراف الأخرى والخصوم إلى التورط كي تجني في النتيجة من ذا التورط نفسه: هوان الخصوم وإنهاك الأصدقاء المخالفين، وأن يكون هناك شرق أوسط طيع ولا مقدرة له على التفكير في غير ذلك، أي أن تخوض حربها بالآخرين لتفوز فيها دون خسائر تذكر.

هذا التصريح عن العجز لم يلق الصدى في أذن سرت لأن أزيز الطائرات الحربية الأمريكية أصم الأذان وشلَ العقول، ومن ذا خرج السيد رئيس مجلس الوفاق فائز السراج علينا بتصريح كالرعد وحاسم حارق جازم فحواه وضع الشروط الشرط تلو الشرط لأجل تحقيق: الوسيلة الاتفاق والغاية الوفاق ومن لم يعجبه هذا فليشرب من البحر.

الحقيقة أن فائز السراج لا يلام على إعلان المقدرة- وبقوة- على تنفيذ إرادته للوفاق الذي يريد كما لا لوم على عجز كيري ما صرح به ولا حرج، وذلك لأن اللوم يكون على القادر والثاني أعلن عجزه أما الأول فيريد- وهذه هي الإرادة الوحيدة المتوفرة- إخفاء عجزه وفقدانه الإرادة رغم ما يتم من دفع لأكسجين من الخارج.

إن رجل الوفاق صاحب إرادة وقوي ومنهما يدرك ويعمل ألا يكون شروط لوفاق، ورجل الوفاق توافقي بطبعه ويأتي الأمر تحت راية بيضاء وباليد ورقة بيضاء وحبره الصدق، وعقله باحث عما يجمع لا ما يفرق لهذا هو عقل توافقي لا عقل شرطي يلزم بما لزوم له، ومن مثل هكذا تصريح تبين لي ضعف رئيس ومجلس الرئاسة الليبي الذي يدعي قوة لا يملكها ويشرط شروط النسيب الكاره وهو من مهمته الأولي والأخيرة ذات ما أوجده: الوفاق وأنه المجلس الأعلى للوفاق وأنه حامل راية السلام للبلاد وليس قيادة عليا للحرب، وأنه جاء ليبني جسور الثقة وليس ليهدم البلاد على العباد كما يفعل الأسد من يعمل كطبيب على إنقاذ الجسد السوري من سرطان الإرهاب بقتل سوريا وإراحتها من شقاء الحياة/المرض.

لقد عجز فائز السراج ومجلسه عن المهمة الأولى والأخيرة أن يكون مجلس وفاق فأراد أن يكون بالشروط التي يطلق لها العنان مجلس حرب، هو العاجز عن أن يكون رئيس حكومة كانتون طرابلس ما يمكن دون توكيد أن يحصل عليه كما كانتون غزة ما يديره حماس فرع الأخوان المسلمين فرع إسرائيل!

السراج من "الشانزليزيه" يستطيع أن يطلق طيوره السود والبيض ولكن في "بوستة" لا يستطيع أن يطلق حتى الأحلام، فالمتفرقعات لا تجعل للنوم سبيلا فما بالك بالصحو الذي لم يسرج السراج عن الشطح وعن لزوم ما لا يلزم...

لقد راهنَا على الحوار الوطني، راهنَا على اتفاق الصخيرات، راهنَا على مجلس الرئاسة، راهنا على فائز السراج، وكنا وما زلنا نعمل على أن يكون الحصان الذي يكسب الرهان-كما كسب الرهان التحالف الوطني- وألا يفلت من اليد التي أخذت الكتاب بقوة يد الداعين والعاملين من أجل الوفاق الوطني، لكن أي وفاق هذا الذي يريد فرض الشروط والاستقواء بما لا يملك لأجل تطبيق الدستور: اتفاق الصخيرات ما لم يحصل على وفاق بل وقسم الناس شيعا وهي المتشيعة؟

وفي الختام فإنه: الدولة أرض والناس طيور أو كما قال المثل الليبي.