Atwasat

سقراط الذي لم يلعب للبرازيل

محمد عقيلة العمامي الإثنين 29 أغسطس 2016, 11:34 صباحا
محمد عقيلة العمامي

في الدول الديمقراطية حرية الرأي مكفولة، فقل ما تشاء وبالطبع للمواطن مثلك الحق في ألا يصغي إليك. نحن والحمد لله أصبحنا ديمقراطيين جدًّا، على الأقل في حقنا ألاّ نُصغي لأحد. فدع المنظّرين والفلاسفة والمحللين ورجال الدين والشيوعيين يقولون ما يشاؤون واسمع أنت ما تشاء. وأنا أعترف لك بأنني أكتب رأيي فقط. أريد أن أهذي ومن حقك ألا تُعيرني انتباهًا، وانطلق أينما تشاء أو اجلس واسمع أو لا تسمع، فهذا شأنك وحدك. فلو كنت مثلك لعشت الحياة وتمتعت بها بما يرضي ضميري. فاليوم الذي يتركك القطار خلفه لن يعود إليك. فانتبه القطار يفوتك كل ساعة وأنت لا تدري.

لا تشغل بالك بحكومة الوفاق قامت أو لم تقم. فلا أعتقد أننا سنتوقع شيئًا مفرحًا منها، طالما هناك رصاص يلعلع. والرصاص ليس بيد السراج، إنه رجل طيب للغاية، أخبرني صديق أنه أوقظ من نومه من بعد منتصف الليل ليخبره مدير مكتبه أن سيارات عسكرية تجوب منطقة في طرابلس، ترفع رايات سوداء ممهورة بالشهادة واسم الجلالة، قد تكون لـ«القاعدة»، أو لـ«داعش» أو لغيرهما من التشكيلات فأجاب: «يا نهار احرف!»، ولم ينم تلك الليلة. كان ذلك في بداية توليه منصبه، ولكن بعد ذلك اعتاد الأمر.

ولم يتغير شيء. ما زالت الأخبار تصدمنا وتصدمه كل يوم بجديد ومرعب. فالحل لن يأتي بسهولة. فدعونا نبتهل ونتأمل الخير، ومَن تأمله سيجده، هكذا أخبرنا ديننا السمح الصالح لكل زمان ومكان، الذي نص على التشاور والحوار واللين قبل أن يصنع لنا السيد نوبل- صاحب الجائزة العالمية الذي يحتفل العالم بها كل سنة- الديناميت.

أقول ما قلت كتعقيب بسيط للأخ الذي قال: إن مقالي «شاهد من أهلها» هو مشروع لتسويق الدكتور علي الصلابي

دعوني أحكي لكم عن شخص دميم، قبيح الشكل ابتلاه الله بزوجة مؤذية، سليطة اللسان، سخرها الله لتقدم إلى الغرب شخصية يدينون لها بالكثير، فلقد دفعه تسلطها للخروج من المنزل مبكرًا، ويعود إليه متأخرًا، ومع ذلك كثيرًا ما وجدها تنتظره مدعية أنها تريد أن تسخن له عشاءه! كان يحكي ويجادل طوال النهار، ولما أخبروه: إن رجلاً سأل كاهنة دلفي الكبيرة؛ عن أعقل رجل في أثينا، أجابته هو المتسكع طوال الوقت والمجادل في كل كبيرة وصغيرة: «سقراط» الذي علق على اختيارها قائلاً: «اختارتني لأن الآلهة تعرف أنني لا أعرف شيئًا».

هذا هو سقراط، رائد الفكر الأول، مثلما يقول الغرب. هذا الذي لا يعرف شيئًا قاطَع خطيبًا يحرض شبابًا على الالتحاق بمقاتلين يحاربون عدوًّا لهم. كان الخطيب يتحدث عن الشجاعة، فسأله أن يعِّرف له الشجاعة، فأجابه: «هي الثبات في مواجهة الخطر» فسأله: «ولكن لنفترض أن حسن التدبير يقتضي التراجع» فأجابه: «والحالة هكذا لا تلتزم بالثبات في موقفك»، فقال له سقراط: «الشجاعة، إذن، ليست الثبات في موقفك!»، وهكذا تكون الشجاعة هي حسن التقدير بوجه عام. «الشجاعة هي حضور الذهن والتفكير، وعكسها هو سرعة الانفعال وبلوغه من الصخب بحيث يحجب العقل والتفكير»، هذا نقاش حدث من آلاف السنين، ولعله بعينه هو ما جعل أوروبا تَدين لسقراط بالشيء الكثير وتعتبره رائد الفكر الأول.

وهذا تحديدًا ما نصحنا به سيد الخلق رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام:
«ألا أنبئكم بما يشرف البنيان- يرفع البنيان، وكأنه أراد بالبنيان بناء الإيمان ما الذي يرفع الإيمان؟ ـ ويرفع به الدرجات قالوا: نعم يا رسول الله، قال: تحلم على مَن جهل عليك، وتعفو عمن ظلمك، وتعطي مَن حرمك، وتصل مَن قطعك، هذه أخلاق المؤمن».

ولماذا أقول لكم ما تعرفونه؟ أقول ما قلت كتعقيب بسيط للأخ الذي قال: إن مقالي «شاهد من أهلها» هو مشروع لتسويق الدكتور علي الصلابي، وهذا غلط لأن السيد الصلابي ليس في حاجة إلى تسويقي فهو حاضر منذ قبل ثورة 17 فبراير، وله فكره الذي يسوِّق له طوال الوقت، وبمقدورنا أن نأخذه أو نتركه مثلما قلت في مستهل هذا المقال، ومازال الوضع على ما هو عليه بمثل ما قلت في الفقرة الثانية.

هناك بالطبع مَن يقرأ ما بين السطور وفهم ما قصدته. وهو ببساطة شديدة أن هناك سيدة أوروبية لا علاقة لها بكم، ارتدت جلبابًا إسلاميًّا وغطت شعرها، وتجولت لأكثر من سنة في ليبيا، وقابلت رموزًا كبيرة واستقت منهم معلومات ونسبتها لقائليها. كتبت عن ثورتكم ودينكم وفيدراليتكم.عن أمور تمس دينكم ودنياكم. لقد وددت أن ألفت انتباهكم لما كتبت فقد يعين -بعضكم -على الخروج من عباءة الذات والتقوقع وإصدار الأحكام مشفوعة بأمانيكم لحكومة مفصلة على مقاس تطلعاتكم، وهي للأسف باتساع ليبيا. ما كتبته ينشر على حلقات في هذه الصحيفة منذ ستة أشهر، ولم يفند أحد ما كتبته هذه السيدة ومجموعة أخرى من رفاقها.