Atwasat

سكاتولوجيا

منصور بوشناف السبت 05 أبريل 2014, 11:37 صباحا
منصور بوشناف

دخلت كل مشتقات "لوجيا" إلى اللغة العربية وصالت وجالت فيها، ولعل مصطلح "أيديولوجيا" هو الآن الأكثر استخدامًا والأكثر انتشارًا وشعبية ولا يزاحمه من المصطلحات إلا مصطلح "الديمقراطية" وكي لا أنسى "الأجندة" بالتأكيد!!

"لوجيا" وتعني علم أو مجال تخصص، فبإمكانك أن تضع أي اسم وتردفه بـ"لوجيا" لتصبح عالمًا متخصصًا وخبيرًا، أو بالعربي الفصيح فقيهًا وشيخًا متبحرًا!!

من العلوم التي لم تنل حظها من المثقفين والمتكلمين والفقهاء العرب "سكاتولوجيا" وهو "علم الآخرة" أو "الآخرويات" والذي يتفرغ متخصصوه لدراسة ووضع تصورات للآخرة وكيف ستكون كالقيامة والحساب والجنة والجحيم.

أوروبا المسيحية وفي عصورها المظلمة تفرغت لهذا التخصص، وأفردت له الكثير من تراثها الكنسي والشعبي والسياسي، ولعل أبرز جوانب هذا التراث كان الرسم والنحت والمسرح، حيث تفنن رسامو أوروبا في رسم لوحات الثواب والعقاب، وشهد هذا الفن تطورًا لافتًا في عصور السحل التي قادتها الكنيسة ضد معارضيها، فكان الرسامون يتفنون في تخيل آلات وأدوات التعذيب الجهنمية التي يخترعها رجال الدين كماكينات الفرم والسحل وكدق المسامير في الأجساد والحرق!!

أوروبا لم تكن رائدة في هذا، فقد سبقها الشرق العظيم مهد الحضارة والقمع، وأخذ الـ"سكاتولوجيا" مساحة شاسعة من مخيلة وممارسات حضارات الشرق المتعاقبة، فتم تصوير الجحيم والحرق والتعذيب بأشكال مفرطة وشديدة الرعب، ونجح كل هذا الترهيب في صناعة كائن مرعوب خائف من الدنيا والآخرة، فغالب تصورات التعذيب الاسكاتولوجي يؤخذ مما يمارس في الدنيا، فالقيامة كانت قائمة دائمًا، وكل ما يمكن تخيله من صنوف العذاب الآخروي تُقام كل يوم من الجَلد إلى الخوزقة إلى الصلب إلى تقطيع لحم المذنب وإلقائه في النار أمام عينيه قبل أن يموت!!

أوروبا المسيحية وفي عصورها المظلمة تفرغت لهذا التخصص وأفردت له الكثير من تراثها الكنسي والشعبي والسياسي

تراثنا العربي يعج بكل هذا وتغص ذاكرتنا الجماعية بأصناف الرعب والتعذيب والقتل البدائي، ويأخذ زبانية "الجحيم الدنيوي" أشكال المَردة والجن والعفاريت والمخابرات، وجميعهم ذكور فعذابنا ذكوري وفي منتهى الرجولة!!

سكاتولوجيا العرب والذي يعتبر من علومنا وفنوننا الأكثر أصالة وتجذرًا في تاريخنا لاتنال ذلك الاهتمام الظاهر بها، فهو يُترك للممارسين ويتجنب المنظرون التنظير له.

من الكتب الحديثة في تراث نهضتنا العربية الحديثة أذكر كتاب "الأقدام العارية" لكاتب أو بالأحرى معتقل مصري أيام عبدالناصر، حيث يشير الكاتب إلى استخدام أدوات الجحيم في الدنيا لتعذيب العصاة والمارقين، حيث تُقيم السلطة القيامة وتفتح سجلات العقاب الإلهي في القرن العشرين، وتتنوع تلك الأدوات المرعبة من اغتصاب القرود للبشر إلى ماكينة العروسة، حيث يربط السجين إلى تمثال امرأة ويجبر على ممارسة الجنس معه ليصعق بالكهرباء عند التقبيل وعند الإيلاج.

"سكاتولوجيا"، علم القيامة أحد علومنا التي تحتاج منا للانتباه لدراسة مساهماتنا الحضارية في هذا العلم المهم الذي تبدو الحاجة لدراسته هذه الأيام ماسة جدًّا نظرًا لما تشهده ساحات سجوننا ومعتقلاتنا من قيامات يومية تُشيِّبُ الرضيعَ ويومها بألف مما تعدون.