Atwasat

من طبرق ..

محمد عقيلة العمامي الثلاثاء 09 أغسطس 2016, 10:57 صباحا
محمد عقيلة العمامي

لعلها المرة الأولى التي يُعلن فيها السيد كوبلر صراحة ضرورة حل الميليشيات وقيام جيش ليبي موحد، تصريحه هذا جاء قبل ساعات من مؤتمر طبرق الذي طالب الناس فيه بإعادة ملف ليبيا إلى مكانه الطبيعي في الجامعة العربية، فالملف ما كان ليصل الأمم المتحدة لو لم توافق عليه الدول العربية، مثلما طلبت الأمم بموافقتها من البداية، ولقد رحبت واشنطن بالموافقة في 13 مارس 2011، ولكن الدكتور عمرو موسى اعترض عليه في حينه، إذ قال «نحن لم نسمح بتوجيه ضربات إلى القوات البرية المتواجدة على الأرض والبعيدة عن بنغازي، ولا ضرب القطع البحرية الراسية في الموانئ».

ثم تزيد قراءة شاملة لقرار مجلس الأمن 1973 الصادر بتاريخ 17مارس 2011 كتبها الدكتور أحمد محمود السيد بموقع (قاوم*) بتاريخ 8 أبريل 2011 فنرى أن تداعيات كثيرة نُفذت لا غطاء قانونيا لها في القرار.

لعل أبرزها أن ليس بالقرار ما ينص على ملاحقة القذافي وإسقاط النظام، فالعالم الذي تحكمه مصالحه مثل الولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول الغربية يعي جيدًا أن إسقاط النظام في الحالة الليبية هو الدخول في فوضى يصعب معها قيام دولة، وذلك لأن نظام القذافي لم يعمل على تأسيس بنية تحتية متكاملة تقوم بإدارة البلاد عند سقوط النظام تمامًا مثلما حدث في مصر، وأيضًا تونس على الرغم من صعاب تواجهها حتى الآن وهي ليست موضوعنا هنا.

الذي جعل مدينة طبرق تطلق مبادرة المطالبة بتولي الجامعة العربية الملف الليبي، هو انحياز الغرب الواضح لحكومة الوفاق، فمن لا يعرف أن هذه الحكومة مفروضة، وأنها لا تحكم حتى مقرها فما بالك بطرابلس الكبرى التي نعرف جميعًا أن الميليشيات هي التي تحكمها بالفعل.

بالتأكيد سيُدعم الجيش عربيًا بالتدريب والسلاح والمعونة اللوجستية، ومتى يتحقق ذلك لن تكون على الأرض قوة سواه، وبالتالي تقوم الشرطة وتتحقق دولة إسلامية مدنية

ولكن ينبغي القول إنه من الخطأ اعتبار كل الميليشيات محكومة من جهات أخرى، فمن بينها من يرى أن وجوده صمام أمان، على الأقل في التصدي للعمليات الإجرامية. ولا أعتقد، أيضًا أن الغرب وأميركا لم يسجلوا المكالمات، التي صارت متداولة كالأغاني الشعبية التي تثبت بالدليل القاطع تورط شخصيات تتصدر المشهد الحاكم في طرابلس في دعم الإرهاب، الذي وصل حد اغتيال من تقدموا الصفوف للدفاع عن البلاد من الإرهاب والقضاء عليه قبل أن ينتشر في ليبيا كلها.

منذ أيام وعبر وسائل الإعلام قال أحد المتصدرين والمستوليين على سلطة البلاد: «إن ما يدور في بنغازي هو حرب بسبب خلافات سياسية بين فصائلها، وكأنه لا يعرف من يمول ويبعث بجرافات الموت إليها»، الحقيقة أنا شخصيًا لا أستغرب ذلك، ولكنني أستغرب حد الدهشة أن الغرب لا يعرف هذه الحقائق، وكأن السلاح الذي يشحن في الجرافات يُصنع ويُشحن من (بوركينا فاسو) وأن وسائل التتبع والتجسس التي تصل حتى أحلام حكام ليبيا كلهم، وأن محاولات اختراق الجيش الليبي الذي يُحارب الإرهاب في الشرق، لا تعرفها أميركا، أو أن وسائل الإعلام لم تخبر السيد (بن كي مون) عما حدث في القوارشة ليبدي قلقه المعتاد.

من أجل ذلك، وأشياء كثيرة أخرى، أرى أن مطلب طبرق يوم 4/8/ 2016 هو في تقديري، وجهة نظر منطقية للغاية، بل كان سيصاحبها زخم أكبر لو فقط أُخطرت بقية المدن بها، لأنني شاهدته بالصدفة. وكيفما يكون الأمر فإن تولى جامعة الدول العربية الملف الليبي، بتكليف من الأمم المتحدة ومتابعته سيمنح دورًا فعالاً للأشقاء في حل المسألة الليبية، لأسباب كثيرة لعل أهمها أن أمن ليبيا هو في الواقع أمن حدود أربع دول عربية، على الأقل، بصورة مباشرة.

وأن القضاء على الإرهاب لن يتحقق إلاّ بحرب على الأرض، وذلك لا يتم إلاّ بقيام جيش ليبي موحد، ونحن لدينا جيش أثبت نجاحاته على الرغم من العراقيل التي تنبُت أمامه كل يوم. وبالتأكيد سيُدعم الجيش عربيًا بالتدريب والسلاح والمعونة اللوجستية، ومتى يتحقق ذلك لن تكون على الأرض قوة سواه، وبالتالي تقوم الشرطة وتتحقق دولة إسلامية مدنية. فدعونا نتطلع متفائلين إلى هذا الحلم.

أريد فقط التأكيد أننا نعرف جيدًا أن جامعة الدول العربية تنصاع وتحترم قرارات الأمم المتحدة وبالتأكيد تعمل متعاونة وفق استراتيجيتها، والأمم المتحدة هي فقط من لها الصلاحية في تكليف «جامعة» كاملة للمساعدة في حل الأزمة بدلاً عن أشخاص البعض يرى أنهم مُنحازون. وكيفما يكون الرأي؛ طبرق اجتهدت وقدمت رأيًا تستحق عليه الشكر، أما التندر على إلقاء الكلمة الانجليزية، فلا مبرر لها، لأنها ليست عيبًا، فعلى الأقل اللغة ليست لغتهم، أما العار الحقيقي هو تواصل الكذب والخداع والنهب والتنكيل مثلما يحدث في أروقة الذين سرقوا سلطة كاملة ومقدرات شعبهم، وستلاحقهم لعنات الشهداء والثكالى إلى يوم الدين.