Atwasat

مقهى الإذاعة والأسبوع الساخن

سالم العوكلي الأحد 08 مايو 2016, 02:14 مساء
سالم العوكلي

أذكر تلك الأيام جيدا، حين كان المقصد كلما ذهبت إلى بنغازي منتدى الإذاعة، حيث هناك، ودون مشاوير، ستجد كل الأصدقاء، ويوميا تحس أنك تجلس في مقهى أحد المهرجانات الثقافية الليبية أو المسرحية، وهناك كنت أجد الصديق الذي سأقيم لديه، أحمد الفيتوري، متوسطا إحدى الطاولات ينصت كعادته لما يدور وينقل الأحاديث دائما إلى محاور غير متوقعة، تلك الفترة كان الفيتوري متوهجا وهو يرى أن ثمة بيئة ثقافية ذات شاغل سياسي تتشكل، وأن مجرد وجود مقهى للمثقفين والفنانين تدور فيه كل الأحاديث الثقافية والفنية والسياسية، يجعل الحياة اليومية ثرية.

حين بدأ مشروع (سيف الأحلام)- كما تطرق له الزميل، أحمد الفيتوري، في مقالته التي حركت بعض الشجون الخاصة (مشروع سيف الأحلام، بوابة الوسط 26 أبريل 2016)- بدأت ظاهرة من الانشقاق السياسي السلمي من داخل عباءة القذافي نفسه، وهي تلك الفترة التي بدأ فيها سيف يشكل منظمته الشبابية الهائلة، ويستقطب الكثير من المثقفين والفنانين للدعاية لمشروعه؛ الذي يعتبره البعض مجرد تقية من قبل النظام الذي أصابه الرعب بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وبعد السقوط المدوي لأعتى دكتاتور في المنطقة، صدام حسين.

وذلك الزخم الدعائي هو ما فرغ مقهى الإذاعة؛ حين انفتحت خزائن المشروع على مصراعيها لتمويل الحراك الثقافي والإعلامي والفني الدعائي.

يعنيني في هذا المقام ذلك الأسبوع الساخن؛ الذي اصطدم فيه الحرس القديم بالجديد، على حلبة تشبه حلبات الملاكمة الاستعراضية التي يتفق فيها الخصوم على سيناريو مثير للمواجهة يؤجج الجماهير رغم ما فيه من خداع واستعراضية.

وهو الأسبوع الذي فوجئ فيه المتفائلون بمشروع ليبيا الغد، يوم الأحد 8 نوفمبر 2010 (قبل 17 فبراير بـ 100 يوم بالضبط)، باعتقال ناعم لعشرة صحفيين من ليبيا برس، كما اعتقل نائب رئيس مجلس إدارة شركة ليبيا الغد، فوزي بالتمر، بعد مشاركته في وقفة احتجاجية أمام رابطة الصحفيين ، وراجت في أوساط المتابعين آنذاك أن هذه الاعتقالات المفاجئة لإعلاميين كانوا يُخيفون من حولهم بتبعيتهم للإبن المدلل سيف، سببها ما نشر في صحيفة أويا من مقالات وافتتاحيات تعكس مشاهد الملاكمة الاستعراضية بين الجدد والقدماء، حيث نشرت أويا أخبارا عن عزم أحمد إبراهيم تأسيس جمعية مهمتها منع الليبيين القادمين من الخارج من تقلد مناصب مهمة في البلاد، تزامناً مع تقديمه شكوى أمام القضاء ضد وكالة ليبيا برس بتهمة التشهير به، إضافة إلى ما أثارته افتتاحية أويا من لغط بدعوتها إلى عودة عبد السلام جلود للمشهد السياسي، ما أدى إلى صدور أمر بإيقاف صدور صحيفة أويا الورقية، لتملأ الأكشاك بعد ثلاثة أيام أعداد من الصحيفة بعد أن تغيرت هيئة التحرير والترويسة (صباح أويا).

وانتظر المتفائلون ردة فعل سيف الإسلام تجاه هذا الهجوم على رفاقه ومشروعه، لكنه كان مشغولا بزيارته للجزائر حيث استقبله رئيس مجلس الأمة الجزائري، عبدالقادر بن صالح، استقبال الرؤساء، مصحوبا بحاشية من الحرس القديم المتشدد، وعلى رأسهم: عبدالقادر البغدادي منسق مكتب الاتصال باللجان الثورية، وسعيد راشد أمين جهاز السكك الحديدية، وصالح إبراهيم، مدير أكاديمية الدراسات العليا بطرابلس، ورمضان البريكي رئيس تحرير صحيفة قورينا، التي استولى عليها بعد نشرها لمقال د. فتحي البعجة : ليبيا إلى أين؟ التي استفزت الحرس وقائده.

سرعان ما تم الإفراج عن المعتقلين لتبدأ الجولة الثانية من اللعبة، وفي ذاك الأسبوع الحافل اتصل بي المعارض عمر الكدي من إذاعة هولندا للتعليق على هذه الأحداث، وقد لخص ما أدليت به في هذا الجزء من التقرير: "يقول العوكلي من الصعب إخضاع ما يجري في ليبيا للمنطق، فثمة الكثير من المزاج السياسي، وأحيانا كل شيء يتغير يوميا، ولكن تكرر هذه اللعبة يدل فوق المزاج أنه يوجد صراع في ليبيا، وهناك مخاض ربما يحاولون الإيحاء من خلاله أن مشروع الغد، الذي يستظل بسيف الإسلام لن يمر بسهولة، ومن الضروري أن يمر بهذه العراقيل".

ويؤكد العوكلي أن أبرز وجوه الحرس القديم بدأت مؤخرا في التوجه نحو مشروع سيف الإسلام، خصوصا من خلال تصريحاتهم وكتاباتهم، ويضيف العوكلي قائلا: "قد يكون الهدف هو التعامل مع كل هذه التيارات لتشارك في مشروع الإصلاح، يبدو أن النظام لا يريد فكرة الانقسام بين الحرس القديم والجديد، وهي فكرة أصبحت غير مرغوبة، أي أن كل التيارات تراجع أفكارها أو ما يسمى في ثقافتنا بعودة الوعي، لكن كل هذه المواقف لا تزيد إلا من حيرة الشارع الليبي، وتزيد من نبرة التشاؤم خصوصا مع تحمس الكثيرين، سواء من النخب أو من الشارع للأطروحات الجديدة".

ويرى العوكلي أن على المثقف الليبي أن يمارس دوره التجذيري في نقد الطرفين، وأن لا يتورط في التماهي مع هذه التكتيكات الآنية، وأن يكون موقفه الأساسي من أجل ليبيا الغد، ليبيا الدستور، ليبيا الحريات، وليبيا وطن الجميع"*.

بينما يعلق المعارض محمود شمام، والذي مازال معارضا حتى الآن للفاشية الجديدة: " إن الحرس القديم والجديد تسميات لا قيمة أيديولوجية أو سياسية لها، مضيفا "في النهاية هناك شخص واحد يتحكم في رقاب وأرزاق الليبيين، أما البقية فيقتربون ويتنازعون هذا المركز حسب دورهم في تقسيم العمل.

ليس هناك عناصر إصلاحية في السلطة، هناك عناصر تتحول إلى عناصر ثورية في بعض الأحيان، وتتحول إلى عناصر غير ثورية في أحيان أخرى حسب مشيئة من يسمونه القائد، وبالتالي هناك رمزية في أن يتم اعتقال جماعة الغد في طرابلس ومدن أخرى، بينما يصطحب معه ابن القذافي إلى الجزائر أشد العناصر فتكا في اللجان الثورية"*.

اليوم تتغير الوجوه ويتحول التصعيد إلى انتخابات، واللجان الثورية إلى ثوار فبراير، والحرس القديم إلى جماعة دينية، والقائد إلى المفتي، وليبيا الغد إلى ليبيا الغدر، و (Libyapress) إلى (Libyaless)** ، تتغير الوجوه وتستمر اللعبة وإن كانت بمهارات أقل ودون قواعد أو قوانين للعبة. وهذه المرة لم ُينفَ أحمد الفيتوري من مقهى الإذاعة فقط ، لكن من بنغازي، ومن ليبيا برمتها، ليتحول إلى معارض خارج ليبيا بعد أن خرج من سجون القذافي معارضا داخل ليبيا.

*موقع ليبيا المستقبل 8/11/2010
** انعدام ليبيا.