Atwasat

لعنةُ بنغازي

أحمد الفيتوري الثلاثاء 03 مايو 2016, 11:46 صباحا
أحمد الفيتوري

1-
فيلم أمريكي أُنتج عام 1955 تحت عنوان (Bengazi... last stop for the lost) أي (بنغازي المحطة الأخيرة للضائع)، وفي هذا العام 2016 أُنتج فيلم "13 ساعة جنود بنغازي السريون"، والذي يروي أحداث الهجوم على القُنصلية الأمريكية في مدينة بنغازي عام 2012.

وخلال الأسبوع الأخير من أبريل الماضي ذكرت صحيفة "The Washington Post" الأمريكية أن لجنة التحقيق البرلمانية حول هجوم بنغازي واجهت انتقاداتٍ عديدة من أوساط اليسار في الولايات المتحدة الأمريكية؛ وتُواجه اليوم انتقادات لاذعة أيضا من اليمين، وهيئة" جوديشال ووتش" (Judicial Watch)؛ وهي هيئة حكومية محافظة مهتمة بالشفافية؛ ترى أن لجنة بنغازي لم تتقن عملها بخصوص التحقيق في اعتداء 2012 وذلك من خلال رفضها عقد المزيد من الجلسات والإفراج عن الوثائق التي جمعتها خلال السنتين الماضيتين، وقال رئيس "جوديشال ووتش" توم فيتون: إن اللجنة تُدير عملها في أغلب الأحيان بشكل كتوم؛ ما فوت برأيه فرص محاسبة وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون بشكل خاص، وإدارة أوباما على الأخطاء المرتكبة في السياسة الخارجية الأمريكية بشأن ليبيا.

بنغازي ما كانت المحطة الأخيرة لليائسين تمثل الساعة اللعنة التي تطارد هيلاري كلينتون في ماراثون الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، وقد طاردت هذه اللعنة إدارة أوباما منذ 11 سبتمبر 2012، حين تعرضت قنصلية الولايات المتحدة في بنغازي لهجومٍ ردا على فيلم براءة المسلمين الذي اعتبر مُسيئا لشخص النبي محمد، استعمل فيه متظاهرون إسلاميون متطرفون الأسلحة الثقيلة مما أدى إلى مقتل السفير الأمريكي في ليبيا" كريستوفر ستيفنز" وإداري المعلومات الخارجية" شون سميث" وموظف الأمن الأمريكي الخاص" غلين دوهرتي".

كانت بنغازي الحاضنة لمشروع الجيش الوطني كما كانت الحاضنة للثورة

لعنة بنغازي كما اللعنة الفرعونية من تمسه تمسك بخناقه ولا تتركه حتى تصرعه أو هكذا يريد خصوم كلينتون أن يجعلوا من بنغازي الشؤم، وفي ليبيا كانت بنغازي قد أغضبت" الملك ادريس السنوسي" فجعل منها أول ساحة لأول مشنقة في دولة الاستقلال كعقاب لأول اغتيال، اغتيال رئيس حاشيته وقاتله ابن عمه، ولم يدخل الملك ادريس السنوسي بنغازي من حينها، أما القذافي من اتخذها مدينة انقلابه العسكري واستلائه على السلطة في ليبيا فقد اعتبرها مدينة مارقة عليه وهجرها حتى اللحظة الاستثنائية حين طاردته لعنتها في 17 فبراير 2011م باندلاع الثورة الشعبية التي انطلقت من بنغازي وأسقطته.

2-
لعنة بنغازي طاردت فجر ليبيا المُكون من تحالف الإسلام السياسي المُسلح ومن تجار مصراته ما حاول الاستيلاء على المدينة عقب فبراير 2011م، لقد تم في خضم ما تصوره هذا التحالف من انتصارات الاستهانة بالقوات الخاصة" الصاعقة" وما تبقي من" قاعدة بنينا العسكرية الجوية ما شكل نواة الجيش الليبي الذي يمثل الساعة قوة على الأرض قلبت الموازين بما حققه من انتصارات في دحر إرهابيي فجر ليبيا في المدينة.

وقد كانت بنغازي الحاضنة لمشروع الجيش الوطني كما كانت الحاضنة للثورة، وبهذا وفرت إمكانية عقد مجلس النواب في مدينة طبرق وبالتالي الأرضية الأساس للحوار الوطني ما نتج عنه" اتفاق الصخيرات" الذي الساعة يمثل العائق الأول من أجل الوفاق الوطني، خاصة في مدينة بنغازي ومنه عدت المدينة الملعونة التي كما هي حاضنة الفيدراليين الانفصاليين الملاعين هي اللعنة في وجه الوفاق الوطني، وباعتبارها كذلك يتم الآن استبعادها وإقصاء كل من له رأي مخالف يخص مشروع الصخيرات ما ولد في عملية قيصرية مشلولا، ولعنة بنغازي تعود لتلاحق فائز السراج وحكومته التي تحمل في مواجهتها" اتفاق الصخيرات" باعتبار كل من لا يقر بهذا الناموس هو مارق.

3–
الساعة تبان بنغازي مرة ثانية في الصورة كمدينة رافضة لـ" اتفاق" لم يحقق الوفاق بقدر ما أعاد حلحلة التحالفات حيث الوفاق الوطني بالضرورة لا يتحقق دون إجماع ويتحقق دون مغالبة، لكن مشروع الصخيرات في الأخير كما وفاق اليمنيين الخائب، أو كما حصل في العراق أنتج حكومة هي أقرب لحكومة" نوري المالكي" العراقية حكومة واحدة لبلد متشرذم، وقد أنتج ماراثون الحوار الوطني في الأخير تعطيل مجلس النواب وشرعن فجر ليبيا، وحقق المطلب الدولي الأول والأخير حكومة واحدة، حكومة يمكن تداول المسائل التي تخص الدولي معها أما غير ذلك فـ" فخار يكسر بعضه".

وهكذا لعنة بنغازي كما لعنة الفراعنة مازالت لاعبا غيبيا لكنه مُتجلٍ، ومن يريد تفاديها لا يرميها بأنها البلاء وبأنهُ الخير والحب والسلام، وأنها الشيطان وأنه وحلفاءه الجدد ملائكة الرحمان.