Atwasat

ليبيا 2025 في بريد المستقبل

سالم العوكلي الأحد 01 مايو 2016, 12:03 مساء
سالم العوكلي

في مقالته، نهاية عصر النفط، المنشورة ببوابة الوسط ، 27 أبريل 2016، يتطرق الكاتب عمر الكدي إلى رؤية السعودية 2030 والتي تحاول؛ متأخرة لعقود، أن تتلافى انحسار اعتماد الاقتصاد العالمي على النفط، وتوقعات انخفاض أهميته بعد عشرين سنة . "مع حلول عام 2030 تكون السعودية قد اعتمدت اقتصاديا على مصادر دخل متنوعة بعيدا عن النفط،........ ومن بين خطط المملكة الاعتماد على تصدير النفط المكرر وليس النفط الخام، وخصخصة كل مؤسسات الدولة في جميع القطاعات، والسماح للأجانب بالاستثمار في المملكة". ويرصد الكدي مدى التناقض بين الواقع الاجتماعي المتوجس من الآخر وبين طموحات هذه الرؤية في الاندماج في العالم الحديث.

لن أعلق على رؤية المملكة المتأخرة كثيرا، ولكن سأتطرق إلى مشروع (ليبيا 2025 رؤية استشرافية). والتي كنتُ أحد المتعاونين مع فريقها من بحاث مركز البحوث والاستشارات بجامعة قاريونس. حيث انطلقت هذه الرؤية في جانبها الاقتصادي من ضرورة تنويع مصادر الدخل بشكل يجعل مداها الزمني كفيلا بالاعتماد على مصادر بديلة، واعتمادا على المتغيرات المقبلة في نسق العالم الاقتصادي "أدت التطورات الاقتصادية التي أفرزتها توجهات العولمة وانحسار الجغرافيا السياسية والثقافية، ثم الجغرافيا الاقتصادية، بفعل ثورة الاتصالات والمعلومات، وسهولة الحركة والانتقال للخدمات والبضائع والأفراد بين مناطق العالم المختلفة، إلى جعل مطالب التنمية والإصلاح في الدول النامية ضرورات عالمية ملحة نتيجة للقلق المتزايد مما أنتجته الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في هذه الدول، بما فيها من أمية وفقر وبطالة وتهديد للأمن والاستقرار، خصوصاً بعد فشل الاستراتيجيات التنموية التي اتبعتها هذه الدول خلال العقود الماضية، وعدم كفاية معدلات النمو الاقتصادي المحققة، وانتشار الفساد على المستويين المؤسسي والحكومي، بسبب تدخل الدولة الواسع في الحياة الاقتصادية، الأمر الذي شكل ضغطا متزايداً على هذه الدول لترتيب أوضاعها الداخلية حتى تتمكن من الالتحاق بركب الاقتصاد العالمي، وإلا فإنها ستواجه خطر البقاء خارج الإطار الفعال، وتتعرض بالتالي إلى المزيد من التهميش والإقصاء". هذا الخوف من خطر البقاء الذي يشكل هاجس الرؤية الليبية، ربما، هو الذي جعل المملكة السعودية تفكر للمرة الأولى في بناء جسر بينها وبين مصر لعله يكون الشريان، أو جهاز التنفس الصناعي، الذي يربطها بالحضارة التي حافظت على بقائها أكثر من عشرة آلاف سنة مقاومة كل التغيرات.

في الباب المتعلق بغايات وتطلعات المستقبل وبعد رصد الكثير من الأرقام والمؤشرات الدقيقة للاقتصاد الليبي، يشير المشروع إلى الغاية من هذا التغيير في طبيعة الاقتصاد: "في إطار تنامي منظومة الاقتصاد العالمي، وتزايد حدة المنافسة، وتعدد التحديات التي تواجه الاقتصاد الليبي محليا ودوليا، يُعد تنويع مصادر الدخل، وخلق اقتصاد متوازن تتنوع فيه مجالات الاستثمار والإنتاج وفرص العمل من ضمن المحاور الرئيسية التي تتمركز حولها كل الخطط والاستراتيجيات التنموية والرؤى المستقبلية الساعية للنهوض بمستوى حياة الإنسان ماديا ومعنويا".

أما في باب تنويع مصادر الدخل فتتطرق الرؤية إلى المميزات الاقتصادية التي تتمتع بها ليبيا ويمكن الاستثمار فيها بنجاح من أجل تجاوز حالة الاعتماد على النفط كمصدر وحيد، ويأتي على رأسها: الاستثمار في الأنشطة المرتبطة بالموقع الجغرافي، حيث يمكن أن تشكل ليبيا همزة الوصل بين بلدان المغرب العربي وبلدان المشرق العربي من جهة، وبين الدول الإفريقية جنوب الصحراء ودول شمال البحر المتوسط من جهة أخرى. ويتخذ النشاط التجاري الخدمي عدة أشكال يكمل بعضها البعض، وتتمثل في: مراكز التمويل الدولية أو على وجه التحديد، الوحدات المصرفية الخارجية (الأوفشور) التي يرتبط وجودها بوجود الفوائض المالية في المنطقة. السياحة وما تتمتع به ليبيا من معالم جذب سياحي متعددة ومتنوعة لا تخفى على أحد. مناطق التجارة الحرة حيث الموقع الجغرافي والأرض المنبسطة اللازمة لإقامة المنطقة الحرة، ويؤكد جدوى هذا التوجه المؤشرات الأولية التي تبينت من المنطقة الحرة مصراتة ومن الدراسات الأولية للمنطقة الحرة المريسة ببنغازي، ثم تجارة العبور، والتي يتوقف ازدهارها على الطاقة الاستيعابية للمطارات ومدى توفر أساليب وأدوات المناولة والتجهيز والتغليف ، إضافة إلى المخازن والمبردات والعمالة المدربة.

كما تتطرق الرؤية في هذا الصدد إلى أهمية تنمية وتطوير المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وصناعة الكيماويات النفطية، وتنمية الثروة البحرية، والاستثمار في المخزون الهائل للغاز الطبيعي والطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ليأتي فصل مهم في الاستثمار البشري يناغم كل هذه التوجهات.

أنا هنا اختزل بعض المحطات الضرورية، لكن الرؤية بها تفاصيل وإحصائيات وآليات دقيقة للوصول إلى الغاية المتمثلة في تحقيق اقتصاد منتج ومتنوع وتنافسي، حيث يُختتم تقرير قطاع الاقتصاد بتأكيده على "أن كل هذه الإجراءات والمراحل لو تم تنفيذها سيكون التصور الذي سيكون عليه الاقتصاد الليبي في آفاق عام 2025 على النحو التالي: اقتصاد منتج، ومتنوع مصادر الدخل وذو قاعدة إنتاجية عريضة، مبني على أسس معرفية تقنية في معظم قطاعاته، يمتلك القطاع الخاص، الوطني والأجنبي، فيه الدور الريادي في اقتحام مجالات الاستثمار والإنتاج، وتضطلع الدولة بدورها المتميز في تهيئة المناخ ووضع السياسات الاقتصادية الفعالة، وبما يحقق الاستخدام الأمثل للموارد، ويمتلك ميزة تنافسية في مجال الخدمات، خاصة في مجالات الاستثمار غير التقليدية كالمناطق الحرة وتجارة العبور والنشاط السياحي، بل ومصدرا لها على أسس تنافسية، ويصل فيه معدل النمو في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي إلى نسبة لا تقل عن 7% ، وتتميز معدلات الأداء فيه بالتوازن والاستقرار، ومعدلات التضخم والبطالة بالاعتدال، ويساهم في منظومة الاقتصاد العالمي مع بقية الدول على أسس متكافئة".

وبالطبع لم يغفل هذا الطموح عراقيل الواقع الاجتماعي والسياسي التي رُسم لها تصورات تتعلق بشكل الدولة التي من المفترض أن تكون طرفا في هذا الاقتصاد، وبالمناخ الثقافي فيما يخص مخرجات التعليم وتكوين العقل الشعبي المستجيب لهذه المتغيرات، وكلنا نعرف أن ميزة ليبيا، حتى وهي في ظل النظام السابق، كونها ملتحقة بالعصر، وأن واقعها الاجتماعي مرن جدا للتكيف مع التطور. فالروح الليبية الحديثة منفتحة بطبيعتها على العصر وعلى العالم، وهذه إحدى الفرص المتاحة التي تطرقت لها الرؤية الليبية.