Atwasat

ليبيا بلادُ الأبوابِ المُشرعة!

أحمد الفيتوري الثلاثاء 19 أبريل 2016, 11:07 صباحا
أحمد الفيتوري

حدس القذافي نهاية المشهد لحظة تفاقم أوضاع" بن علي" بتونس في مطلع الربيع العربي يناير 2011، فظهر في محطةٍ تلفزيونية تونسية يُخاطب الشعب التونسي بأن بن علي الرئيس الذي يستحق من شعبه المُحافظة عليه وليس إسقاطه. القذافي من جاء كمُحصلة للانقلاب العسكري في مصر ومن منحه جمال عبد الناصر زعيم القومية العربية رتبة أمين القومية العربية كان يُدرك أن العامل الخارجي دائما هو أُس في الكيان الليبي، لذا عاش القذافي كما وزير خارجية أو هانيبال يغزو روما ليُحافظ على قرطاج، وكانت المملكة الليبية عاشت تحت طائلة رد الفعل في مواجهة انفعالات وخطب عبد الناصر، وخلال عقود سكن القذافي بين مطرقة القاهرة وسندان الجزائر، وتنفس الملك إدريس السنوسي بفصي رئة هما قاعدة هويلس الأمريكية في غرب ليبيا وقاعدة العدم البريطانية في شرق ليبيا، وقد كلفه ذلك الكثير من الاختناقات فكثيرا ما تعللت المُعارضة الليبية في رفضها للنظام الملكي بوجود القاعدتين الإمبرياليتين المُحتلتين للبلاد، أما القذافي فقد كانت الدبابة الأولى لانقلابه العسكري إجلاء القاعدتين.

ليس هذا الإسهاب لنُبين ارتباط الأوضاع في ليبيا بالأوضاع الإقليمية والدولية بل من لزوم ما يلزم فالجيوسياسي الليبي مكونه الخارجي وثيق الصلة بالداخلي، خاصة مع تفجر النفط العامل الذي جعل شريان ليبيا وأكسجينها الموانئ والمطارات ما كثر إنشاؤها خلال عقد الستينيات من القرن الماضي، وجعل ليبيا كما دولة سياحية فقد تلونت بعمالة من كافة الجنسيات، وأساسا كان إنشاءُ الدولة الليبية الحديثة قد تم في المهجر، وكانت المسألة الليبية محط صراعات إقليمية دولية بدأت مع تباشير الحرب الباردة.

لقد كانت حينها النزاعات الإقليمية والدولية في أشدها كما حالها اليوم، وفي هذا ما أشبه الليلة بالبارحة، ونستطيع القول إنه من البدء المسألة الليبية دَولتْ الربيع العربي وأربك ذلك الإقليم فالجامعة العربية أجمعت على تأييد القرار الدولي المُمهد 1970 وتابعه 1973اللذين جعلا ليبيا تحت البند السابع وعليه صوغ التدخل ما تم يوم 19 مارس 2011م، ولم ينته حتى الساعة.

إن التدخل الإقليمي والدولي منذ اللحظة الأولى تدخل في معركة وبالسلاح، وإذا كان ذلكم واضحا أثناء كفاح الليبيين ضد الحرب المسلحة التي أعلنها القذافي على التظاهرات السلمية بين مارس-أغسطس 2011 فإنه دخل عقب تحرير البلاد ومقتل القذافي في دهاليز السياسة والاستخبارات ذات الدور المهم في الحال الليبي، ورغم ما غُمر به الإعلام عن تدفق السلاح من ليبيا إلى الإقليم فإن ما تم حينها وتحت هذا الغطاء تدفق له نحو ليبيا، وخاصة من دول في الخليج ثُم فيما بعد من دول الجوار، ومن تركيا كما تناقلت وسائل الإعلام، ويبين التحارب الأهلي الذي في عامه الخامس أن السلاح يتوفر كما تدفق الإرهابيين من كل حدب وصوب.

لقد وفر التحارب الأهلي الليبي لدول الجوار إمكانية تصدير أزماتها وخاصة التخلص من الإرهابيين المحليين، وتدفق على ليبيا من ضُربوا في مالي ومن هجوا من تونس والجزائر ومصر وتشاد وحتى العراق واليمن، أما السودان فقد اتهم رسميا من قبل الحكومة الليبية المعترف بها دوليا بالتدخل في الشأن الليبي، وتم إيقاف طائرة سودانية في مطار الكفرة جنوب شرق البلاد مُحملة بالسلاح. وفي هذا الخضم خيضت حروب جانبية لتصفية الحسابات بين دول الجوار، وحروب تهريب شاركت فيها أيضا مالطا من خلال تهريب النفط من ليبيا، وكان هناك دافع مسكوت عنه لبعض هذه الدول فكثيرا ما مثلت ليبيا لهم مصدرا لدعم القلاقل فيها زمن القذافي، وفي هذا الدول كما البشر تأخذ بالثأر لتوطيد نفوذها وجدولة مصالحها، وقد ظهر أن مشيمة النزاع الداخلي في ليبيا، بل كما في كل الدول، التدخل الإقليمي والدولي.

والساعة يظهر المجلس الرئاسي الليبي كما مسألة دولية، جاء من اتفاق برعاية الأمم المتحدة ويتنفس بالدعم الدولي، وكذا ظهر البرلمان كما قاعة للتنازع وساحة للاستحواذ والنفوذ، وبذا وقع الليبيون مرة ثانية في مصيدة العامل الخارجي المسكوت عنه ما هو لب المسألة، حيث تتمظهر المسألة الليبية كما لو كانت تحقق للقول إن التاريخ يعيد نفسه، فقد عدنا والعود أحمد في هذه اللحظة الاستثنائية إلى اللحظة الاستثنائية الأولى تأسيس الدولة وإعلان الاستقلال.

واتفاق الصخيرات قماشة تتنازعها الأيدي كي تغطي مسألة مبدأ المغالبة لطرف على طرف، فاللحظة السياسية وهي ما تطلع من جبل الثلج تطلع كما مسألة إجرائية وداخلية محض، وتفصح كما تخفي أن العراك يدور في المضمار الأول وإن تغير الممثلون، وما تحقق هو عودة ميمونة إلى نقطة الصفر، ومن هذه النقطة تتسرب الأيدي من خلف الستارة كي تلعب دورها من أجل النفوذ أولا وثانيا من أجل التوظيف والاستفادة حتى الدرجة القصوى من الأزمة الليبية.

ليبيا في حربها كما في سلمها لابد من الاستفادة منها والمُتاجرة معها ومن ثم استغلالها، لسان حال الإقليمي والدولي وهما لا يَستهِينان بأي فارق وإن أظهرا ما لا يُضمران.