Atwasat

صناعة حرب أهلية*

محمد عقيلة العمامي الثلاثاء 19 أبريل 2016, 10:04 صباحا
محمد عقيلة العمامي

قال لينين سنة 1917: "ما من ثورة عظيمة قامت من دون حرب أهلية"، ويبدو أن هناك من أخبر الليبيين بذلك؛ فوضعوا رؤوسهم فوق أكفهم وصنعوا ثورة أذهلت العالم، ولكنهم التقطوا رؤوسهم ولبسوها بالمقلوب وشرعوا يفكرون كيف يقيمون دولة حديثة، واندلعت بسبب ذلك مناوشات هنا وهناك، غير أن الخيرين تداركوا مغبتها وأطفأوا نيرانها، ولكن ما زال هناك من يضع القش وينفخ ليتوهج الجمر وتشتعل النيران، فالرؤوس ما زلت ملبوسة بالمقلوب!.

نحتاج أولا، لتعريف بسيط للحرب الأهلية: تقول التعريفات الأكاديمية إنها تبتديء بصراع مسلح بسيط، أسبابه سياسية ثم يتحول الى حرب أهلية بمجرد أن يصل ضحايا هذا الصراع 1000 مواطن؛ علما أن ضحايا الحرب الأهلية الروسية كانوا 13 مليون روسي كامل الأطراف. وحتى لا نبتعد كثيرا دعونا نأخذ أمثلتنا من العالم العربي؛ فالحرب الأهلية السودانية تحصلت على المرتبة الثانية من بعد الحرب العالمية الأخيرة في عدد الضحايا.

تأتي بعدها الحرب اللبنانية وها هي سوريا تنافس السودان، واليمن تسعى حثيثا نحو المقدمة، أما الليبيون السعداء جدا فيثابرون بهمة للدخول في المنافسة، متخذين من الخطوات التسع دليلهم نحو تحقيق أهدافهم. فماهي هذه الخطوات؟.

قبل توضيح هذه الخطوات دعونا فقط، نشير إلى أن السيدة هيلاري كلينون قالت في كتابها، بعد أن تركت وزارة الخارجية، أن فريق عمل الولايات المتحدة أثناء الثورة الليبية أكد أنه لم يكن لليبيين خطة لتحقيق الاستقرار بعد سقوط القذافي، وإن كان هناك من قال: "إننا عملنا طوال أربعين عاما لنجعل من ليبيا دولة إسلامية". متناسيا أن الحركة السنوسية قامت في ليبيا منذ سبعين عاما، على قاعدة إسلامية. وبالطبع لا ينبغي أن ننسى حسرة الرئيس أوباما وندمه، على التخلي عن ليبيا بمجرد أن أسقط نظامها الذي لم يخبرنا أنه فعله من أجل الليبيين، أو من أجل مصالح أمريكا.

والآن اليكم خطوات هذه الصناعة القذرة:

(1)
الحرب الأهلية تبتديء من دون أن ينتبه أحد إليها، فتمر أيام، بل وأشهر وتقع أحداث غير متوقعة، وينشغل الناس في تفسير أسبابها، ويتشابكون باديء الأمر بالأيادي، وتتسع دائرة الصراع وتتعدد الاغتيالات ويتساقط الضحايا وتقوم الحرب من دون أن يشعر الناس بها. أليس هذا ما حدث ببساطة في بنغازي؟.

(2)
لا يقبل قادة الحروب الأهلية بأن هناك أطرافا أقل تطرفا من الذين يحاربونهم، بل يحصرون الآخر، مهما كان عدد أطرافه في كيان واحد: فمثلا في بنغازي صار هناك طرفان فقط: جماعة الكرامة، التي صارت الآن جيشا يتبع الشرعية؛ أما الطرف الثاني فأساسهم فجر ليبيا المتكون من أطراف ليبية بمختلف قناعاتهم المؤدلجة أو المتربصة. لا أحد يتحدث عن الأطراف الأخرى المتعاونة مع الطرفين أساس الحرب، خصوصا غير الليبية. لأن تحديد الصراع في طرفين فقط يسهل مهمة القادة، والقتلة أيضا.

(3)
يعمل طرفا الحرب الأهلية بكل الجهد والسبل على إخفاء أسبابها التي تكون في الغالب اقتصادية، وغالبا ما يخفونها وراء مشاكل طائفية أو عرقية، وبالتأكيد دينية إن وجدوا سبيلا إلى ذلك، فحرب السودان الأهلية أساسها الجانب الاقتصادي، فلقد قامت الحرب الأولى (1955إلى 1977) بسبب التهميش والإهمال الاقتصادي للجنوب، وفقدت السودان نصف مليون بني آدم ثم قامت الحرب الثانية سنة 1983م، بعد اكتشاف البترول في الجنوب، وراح ضحية تلك الحرب مليونا سوداني؛ وفي الحالتين أُشيع أن السبب ديني ما بين شمال السودان المسلم وجنوبها المسيحي، وأيضا وثني. والحقيقة أن السبب اقتصادي بحت.

(4)
ضرورة صناعة عدو يتفق معك الناس على كراهيته، وبالتأكيد ليس هناك أفضل من شماعة الإرهاب، أو التطرف الديني أو حكم العسكر مع الحديث المطول عن الأمن والاستقرار. وهذا ما نراه في بؤر الصراع.

(5)
يُكثر قادة طرفي النزاع من استخدام الكلمات المطَّاطة شديدة التأويل مثل: الوطنيَّة، القوميَّة، الثَّورة، الفقراء. يستخدمونها كمحور لتحرُّكاتهم. ويوهمون شعبهم أنَّهم يدافعون عن قضايَّا واسعة وفضفاضة ويكررونها كثيرًا، فالعقل الجماعي يُصدِّق ما تكررهُ وسائل الإعلام التابعة للطرفين. الجمهور سيصدق ما يشعرهُ بالأمان، ثم يتعالى على الآخر مقتنعا بأنه صاحب القيم والأخلاق العُليا.

(6)
الجماهير بمختلف توجهاتها، لديها ردود فعل دينيَّة، تدفعها إلى عبادة الزَّعيم، وإلى الخوف من بأسه، وغالبا كلامه لا يُناقش، فالقائد تسانده الجموع ويقودها في حربها الأهلية، وتغدق عليه الصِّفات المثالية مثل: القوَّة، الشَّجاعة، البطولة؛ فالجماهير تخلق الوهم، ثم تصدِّقه، هذا ما يخبرنا به (غوستاف لوبون) في كتابه الشهير سيكولوجية الجماهير.

(7)
بالغ إعلاميا في وحشيَّة الأعداء. فالطَّرفان يبالغان في إطلاق أوصاف شديدة الوحشيَّة والعُنصريَّة على بعضهما البعض. إن فبركة الأخبار والصُّور وفيديوهات القتل والتعذيب التي يقوم بها العدو تمنحك تقدما عليه، فالتاريخ يخبرنا أن الحرب الإعلامية هامة في أيَّ نزاع، خصوصا في الحرب الأهلية.

(8)
يندر أن تكون هناك حرب أهلية من دون تدخُّل أجنبي، ولذلك قبول المساعدات الخارجية أمر طبيعي، فما يحدث في بلادك يكون محل اهتمام دول الجوار، وكذلك الدول الأخرى التي لها مصالح في اقتصادك. حرب روسيا الأهلية مثلا تدخلت فيها: فرنسا، إيطاليا، الولايات المتحدة، اليابان، بريطانيا، ألمانيا، استراليا، واليونان كذلك. وحرب لبنان الأهلية تدخلت فيها سوريا، الولايات المتحدة، فرنسا، وأيضا إسرائيل! ومن لا يعرف المتدخلين في الحرب الليبية؟.

(9)
والناس ستكمل حربها التي بدأها قائد أو منظمة باسمهم، فقادة طرفي النزاع يمكنهم رؤية الأكاذيب، التي اخترعوها وتوجيهها وفق غاياتهم. فالجماهير المتصارعة تصدِّق الأكاذيب. وما إن تبدأ الحرب الأهلية حتى يكون الجمهور مشحونًا بأكاذيب سابقة اختلقها قادة الطرفين وجعلوه يصدِّقها. وعندما تصل قيادات الحرب الأهلية إلى قناعة بضرورة التوقف، يواجهون صعوبة بالغة في إيقاف الجماهير، وبالتالي يندر أن تنتهي الحروب الأهلية ببضعة أكاذيب تصل الجماهير كما لو أنها حقائق، وذلك في الواقع هو ما يبرز عبقرية مُشعّل الحرب الأهلية.

* أحد أصدقائي الأعزاء بعث لي بمقالة بحثية عنوانها: دليل الحروب الأهلية، توضح صناعة هذه الحروب في تسع خطوات. ولحقيقة هذه الخطوات، وأهميتها، لخصتها فقد تحتاجها أجيالنا القادمة!.