Atwasat

ركن العامرية .. مثقفونا

فدوى بن عامر الإثنين 18 أبريل 2016, 08:46 صباحا
فدوى بن عامر

اجتماع أعيان المدينة. تأييد مشايخ المدينة وتنديد قبائل هذه المنطقة أو تلك. الناشط السياسي البائس فلان والخبير العالمي البائس الآخر علّان. ووطن انهالت على جمجمته المائلة بيانات بليدة من مجالس ما يسمى بالحكماء حتى خلتُ أننا بلد المليون حكيم. ولم أسمع بملتقى للمثقفين الليبيين ولم أسمع ببيان المثقفين!.

بحسب تعريف الجابري، بعد تبسيطه، المثقف هو من تتملكه رغبة جامحة لتعرية الواقع بنقد الوضع السياسي أو الاجتماعي أو الديني، للرقي بالمجتمع إلى مستوى أكثر إنسانية، وهو الذي يعلم أنه يعلم، لامتلاكه وعيه الفردي بذاته بما لديه من آراء وأفكار، ولشجاعته فهو ينطق بما يعلم.

لا نجانب الصواب إن قلنا أن حال المثقف من حال بلادنا، فهذا مثقف قد ترنح على غير هدى يسرة مرة ويمنة أخرى، وآخر متذبذب بين بين. أما الانحياز للوطن فقد بات من الموبقات إلا من رحم ربي.

صحيح أن المثقف جزء من المجتمع، لذا يمتلك من خصائصه النفسية والسلوكية السلبية ما يصعب التخلص منه. لكن يرهقني انسياق البعض وراء التغّني بالأمجاد العنترية للقبيلة والعشيرة والمدينة والزنقة على حساب القيم والمباديء التي يعتنقها.

ألا يدفعهم إدراكهم لحجم المخاطر المحدقة بالوطن من تغول وتوغل الآيدولوجيات الوافدة للتفكير في نسج طوق نجاة لوطن يغرق!. ألا تدفعهم معرفتهم بالتجارب الإنسانية إلى التنديد بما يحدث على مسرح الوطن.

صوت صاخب صامت هو صوت المثقف. لم يُسخِّر قدراته الإبداعية ومقدراته الفكرية والأدبية الخلاقة لمحو الأمية الثقافية التي يسعى الظلاميون لترسيخها في وجدان أفراد المجتمع. لم يجتهد المثقف لتخفيف معاناة الإنسان ببلورة رؤى مستقبلية ترتقي بمطامح الناس، ورفعها عند أصحاب القرار السياسي للتأثير على سيرورة وصيرورة الأحداث.

نطمح إلى رؤية المثقف مدفوعاً بالقيم السامية والمباديء العالية وقد تحمّل على رأسه، قبل أن تُحمل رأسه، مسئولية تعبئة وعي الشباب الصاعد لتشكيل ثقافي وفكري جديد داخل هذا المجتمع المنهك.

لكن يذهلني حد الدهشة موقف ذلكم الذين آثروا الصمت فظنوه حيادا رغم المآسي. ومزعج انجرار بعضهم المنافق وراء ترهات (الفقي) وعنترياته في مشهد أقل ما يوصف به أنه مهين للغاية. ألا يجدر بالمثقفين من المفكرين والمبدعين من كل طيف ولون الاصطفاف لدعم الإنسان لتأسيس دولة تليق بآدميته.

ربما إذاً افتقد المثقف الليبي الشجاعة اللازمة أم تراه تغليب المصلحة الشخصية!. أهو العجز عن مجاراة الأحداث المتلاحقة، أو الخوف من التيارات المتطرفة. ربما صمتهم وخذلانهم كان حرصاً على استقلاليتهم الفكرية أو مخافة الولوج في متاهات السياسة، ولكن أليست هي الركيزة الأولى لأي مجتمع وعليه فلا مفر للمثقف من اقتراف خطيئة انتقادها، لفضح القصور الفاحش والتقصير المخجل، ربما تفطّن ساستنا لآدائهم المراهق.

لا شك أن للمثقفين قدرة على استقطاب غالبية شرائح المجتمع لما لهم من أفكارٍ متباينة قد تصل حد التضارب، فإن وُظف ذلك بذكاء كان تأثير المثقف على الأفراد لزرع ثقافة الحياة بدل الموت السائدة أكثر قوة.

متى يستفيق مثقف بلادي من غيبوبته فنراه حاضراً حضوراً جماعياً قوياً بصوت العقل والحكمة والمنطق والعاطفة الذكية على القنوات التلفزيونية ووسائل التواصل الاجتماعي، للمناداة بالإبداع بدل الاتباع المترسخ في العقل الجمعي. قد تحول الكثير من الفقهاء والتافهين وغيرهم إلى وحوش كاسرة على الشاشات بمبارزات صوتية لا حصر لها فلم لا يكون للمثقفين ظهور وبيان!.

قد يكونون هم الجسم الوحيد المتبقي معافى في بلادنا ولذا فهذه دعوة لمثقفينا ليلّفهم جرد ليبي واحد، تحت سقف الوطن والتعالي عن اختلافاتهم وخلافاتهم. هي دعوة لتصوير رؤية مستقبلية واعدة لكل الوطن. أكاد أرى مشروعا ثقافيا تنويريا قد يكون نواة أمل في نفوس شبابنا، الوحيد الذي بالإمكان معالجته إن توفرت الإرادة.

أجزم أن الأمر يستحق منهم الإقلاع عن كبت صرير اليقين الضائع، والكف عن وأد الصدق حتى وإن أجمعت الجموع على غير ذلك.

ولكن.. ياللهول، قد غاب عن بالي، السؤال الأخطر، أهو قحط في المثقفين الليبيين ذاك الذي نعانيه أم تراه خيالي الجامح الذي زين لي وجودهم؟.

أكتب وبناني ينضح مرارة فلو خطر لي هذا التساؤل عند الشروع بتسطير ثرثرتي هذه، لكان قوامها كلمة واحدة.. وواحدة فقط!.