Atwasat

نبض الشارع: نبو خبزة يا أولاد الكلب

سالم العوكلي الأحد 03 أبريل 2016, 09:49 صباحا
سالم العوكلي

جل الليبيين لا علاقة لهم بالمناكفات التي تحيط بنتائج التفاوض السياسي الطويل وما تمخض عنه من حلول ممكنة، وهم لا يرون في المجلس الرئاسي سوى اليد التي تمتد إلى غريق، ولا يعنيهم سواء كانت يمنى أو يسرى، ترتدي خاتما أو لا، وسيتعلق بها حتى لو كانت مخلباً. والغريب أن حزمة النواب الذي يعارضون هذا المجلس، أو يعرقلونه، دوائرهم موافقة بالإجماع تقريبا على هذا المجلس، والسبب يكمن في كون النواب انفصلوا عن دوائرهم وناخبيهم بمجرد أن تقاذفتهم رياح أخرى داخل مجلس النواب، رياح داخلية تتعلق بالعصبية أو الجهوية أو الميزات المالية أو النفوذ، ورياح خارجية تتغذى من أجندات إقليمية، تفزعها فكرة قيام ديمقراطيات في المنطقة، فتحاول رسم سيناريوهاتها المحبطة لمستقبل ليبيا، أما الناخبون وللأسف فقد انتهى دورهم بمجرد أن وضعوا أوراق التصويت في تلك الصناديق المفخخة.

يخرج الكثير من أعضاء مجلس النواب الذين تحولوا إلى شخصيات إعلامية تتواجد طوال الوقت في القنوات ولا يذهبون إلى مقر المجلس إلا نادرا، يتحدث الكثير منهم عن كونه يمثل نبض الشارع وإرادة الشعب، وهم طوال الوقت يتحدثون من عواصم عربية ولا صلة لهم أبدا بهذا النبض ولا يعرفون عنه شيئا. أنا أعيش هنا، ولم أبرح ليبيا قط، وأعيش وسط نبض الشارع الذي أحاول دائما رصده بخبرتي الصحفية، وليس عبر الريموت من فنادق القاهرة وتونس وغيرها من العواصم، بل من خلال تجمع المواطنين في مآتم الذين يموتون قتلا واغتيالا، أو في حوادث سير في طرق تهالكت، أو بسبب عدم توفر أي إمكانات في المرافق الصحية، وأتابع هذا النبض في طوابير المصارف والخبز والغاز والبنزين حيث يتواجد الليبيون المتضررون فعلا، أتابعه في المقاهي وعلى ناصية الشوارع، وسأقول ما يصدم المتشدقين بكونهم يمثلون نبض الشارع حين يعرقلون مهمة المجلس الرئاسي، وآخرهم النائب علي القطراني الذي تحدث في قناة ليبيا وكأنه المخلص والحامي لإرادة الليبيين الذين لا يعرف عنهم شيئا لأن هرماً من الطحين المهرب يحول بينه وبينهم، سأقول له ولهم أن نبض الشارع الذي أعرفه جيدا لأنني جزء منه ومتواجد في قلب أزمته، إن هذا النبض لا يوافق على المجلس الرئاسي فقط كمخرج من الأزمة لكنه يحن بشكل منقطع النظير إلى حكم القذافي نفسه، بل إن البعض ينتقد السراج بكونه ليس شخصية قوية بينما ليبيا تحتاج إلى شخص مثل القذافي بل يقولون بالحرف الواحد: «الذين انتخبناهم ودمروا البلد تبيلهم واحد زي معمر يوطي على رقابيهم لأنهم يخافوا ما يتحشموش». هذه الجملة حرفيا سمعتها من أحد الشباب في المقهى، والجميع كان يشاركه غضبه. هذا هو نبض الشارع يا قطراني ويا تكبالي ويا دغيم، وغيركم من سماسرة الأزمات، وهذا هو رأي الشارع في ممثليه الذين خانوا ثقته فيهم، وهذا هو الكابوس الذي وضعتمونا فيه، جعلتم الناس يحنون إلى زمن الاستبداد، وجعلتموهم يكفرون بثورتهم وبالديمقراطية وبالانتخابات وبكل شيء، ولو أن لديكم ذرة من الخجل لقدمتم استقالتكم بعد أن أوصلتم الناس الذين انتخبوكم إلى حافة الجوع ، وحولتموهم إلى متسولين أمام المصارف المغلقة وأمام المخابز الخالية من الدقيق.

المواطن الذي استدان علبة طماطم وأحضرها معه إلى المخبز ليقايضها بأرغفة خبز نحيلة لا يهمه ما تتشدقون به، ولا يهمه حقكم الديمقراطي أو ما تتفوهون به من تفاهات عن الشرعية والمسار الديمقراطي والقانون والنصاب، ولا يملك سوى أن يبصق عليكم حين تظهرون على الشاشة وتتحدثون باسمه، إنه المواطن المسروق الذي يتقاضى ما يعادل 200 دولار شهرياً، ولا يجد سيولة في المصرف، لن يحس به عضو مجلس نواب الذي يتقاضى ضعف مرتبه 40 مرة.

منذ فترة كان مواطن شريف يعرفه الجميع بتهذيبه، لم يجن بعد، يصرخ أمام المخبز بصوت عال: يا هوووه.. نبو خبزة يا أولاد الكلب. هذا هو نبض الشارع الذي تحدث باسمه جميع من لا يريدون للأمور أن تتغير حتى لا يفقدوا ميزاتهم وهباتهم ومصالحهم، لأنهم يعرفون أنهم لا شيء دون هذه الأزمة، وأن ليبيا ستلفظهم بعيداً أو تضعهم خلف القضبان لو استقامت أمورها مثلما وضعت معرقلي استقلال ليبيا ووحدتها في نهاية الأربعينيات من القرن الماضي في مزبلة التاريخ، أولئك الذين كانوا ينادون باستقلال إمارة برقة وترك باقي ليبيا للغزاة، مثلما يفعل المتعنتون الآن في مجلس النواب، لكن الصحيح هو الذي يبقى وستلفظون خارج اللعبة بعد أن تورثوا أبناءكم وأحفادكم عار ما تفعلونه الآن من محاولة لتقسيم ليبيا والتلاعب بمستقبلها وبوجودها على الخارطة، لأنكم لا ترون في ليبيا إلا مائدة وياغمة وغنيمة كما رباكم كبيركم (القذافي) الذي علمكم الغش.

فأرجوكم توقفوا عن ألاعيبكم باسم الشعب، وابتعدوا عن الشهداء ولا تتاجروا باسمهم، فقبلكم تاجر المؤتمر الوطني وكتلة الوفاء لدم الشهداء وميليشيات فجر ليبيا بدماء الشهداء، وتغنوا بها مثلما تفعلون الآن، فشهداء ليبيا منذ عام 1911 إلى الآن كان هدفهم وحدة ليبيا واستقلالها ورفاه شعبها في أرضها، وأنتم بعد قرن من هذه الدماء تفرطون في وحدة ليبيا وفي سيادتها وتضعون شعبها في قلب الجوع والفاقة، فلا تتحدثوا عن الشهداء لأنهم لم يدفعوا أرواحهم من أجل أن تكونوا أنتم في برلمان كسيح تعرقلون أي بادرة أمل، لكنهم بذلوا أرواحهم من أجل ليبيا التي عثتم فيها خرابا وفسادا عبر أموال دول الحليج التي تغذي جميع الأطراف المتحاربة كما فعلت في لبنان وتفعل في سوريا والعراق.