Atwasat

الجزائر إلى أين بعد 17 أبريل؟

القاهرة - بوابة الوسط السبت 12 أبريل 2014, 02:40 مساء
WTV_Frequency

مرة أخرى تجد الجزائر نفسها في موقف دقيق جدًّا، لا يقل أهمية عن مواقف كثيرة شهدتها البلاد خلال تاريخها الحديث، فهي اليوم على موعد مع انتخابات رئاسية هي الأكثر إثارة للجدل، وقد تؤسس لمرحلة جديدة وحاسمة، فإما أن تجنح البلاد نحو خيار الاستقرار والتصالح مع المعطيات المحلية والإقليمية، أو تجد نفسها في موقف حرج يؤسس لاستقطاب حاد قد بدت نذره تلوح في الأفق.

بعد أيام وفي 17 أبريل سيجد أكثر من 22 مليون جزائري أنفسهم أمام استحقاق انتخابي، لاختيار رئيس للبلاد في السنوات الخمس المقبلة، هكذا يبدو المشهد في صورته الطبيعية، لكن كثيرين يرون أن المشهد في الجزائر أكثر تعقيدًا من أن يكون بسيطًا لهذا الحد، فـ"17" أبريل، سيضع البلاد على طريق أحد مسارين اثنين.

مسار الانفراج
على الرغم من كثرة مَن يستبعدون هذا الخيار إلا أن معطيات لها وجاهتها المنطقية والواقعية قد تدعم كونه مسارًا مرجَّحًا، قد تسير البلاد نحوه، خصوصًا أن الجزائر لم تطو بعد بالكامل صفحات من تاريخها كُتبت بالدم، ولذلك فالعبرة تدعو إلى عدم المجازفة بالاندفاع صوب مسارات قد تكون البلاد في غنى عنها.

ويرى مراقبون أن مسار الانفراج قد يكون مرتبطًا بفوز رئيس الوزراء الأسبق علي بن فليس بالرئاسة، على اعتبار أن ذلك قد يضع البلاد على سكة النجاة من مستقبل أقل ما يوصف به أنه "غامضٌ جدًّا"، فرجل القانون الذي اعتزل السياسية عشر سنوات قال إنه ظل خلالها عاكفًا على دراسة برنامجه الانتخابي، قد يكون بمثابة حبل نجاة لوطنه، باعتبار أنه قد يقضي على شبكات فساد تكوَّنت خلال السنوات الأخيرة، تحت ظل حماية تامة من مؤسسات الدولة.

وعلى الرغم من أن معظم التوقعات لا ترجح فوز بن فليس، فإنه في حال حدوث المفاجأة، سيعيد ترتيب كثير من موازين القوى الداخلية، فوعود الرجل التي بدأت تجمع ما بين الطموح والواقعية، قد تداعب أحلام كثيرين بالتصويت له.

فالرجل يَعِدُ على المستوى الداخلي بالعمل على إشراك الجميع في العمل السياسي بما فيهم "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" المحظورة، ودمج الشباب في صناعة القرار، كما أن دوائر تحدثت عن طمأنته لمؤسسات الدولة العتيقة كالجيش والاستخبارات.

وعلى المستوى الإقليمي تعهد بن فليس فتح الحدود البرية مع المغرب، مع أنه أوضح أن ذلك لن يتم إلا بعد حل المسائل العالقة على الصعيد الثنائي.

مسار الاستقطاب
مع قوة احتمال فوز الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة بعهدة رابعة، يزداد احتمال توجه البلاد نحو مزيد من الاستقطاب، فالمعطيات الداخلية تشير إلى أن المشكلات الاجتماعية متأزمة لدرجة مرتفعة، في ظل تزايد البطالة في صفوف الشباب وأزمات السكن والتعليم واستشراء الفساد في النخبة الحاكمة.

هذا فضلاً عن كون فوز الرجل المحتمل جدًّا، سيبعث برسالة أن التداول على السلطة أمرٌ غير وارد في أجندات مؤسسات الدولة، وهو ما يرجح احتمال توجه البلاد إلى انسداد في الآفاق يُنتِج خيارات لم تكن مطروحة، وكان من الأفضل أن يتم تجنبها بأية وسيلة.

وهذا ما جعل كثيرين يعتبرون ترشح بوتفليقة بمثابة عامل تعقيد للمشهد السياسي في البلاد، حتى إن جاء انعكاسًا لتوافق داخل الدوائر التقليدية للدولة، فهو وفق معارضيه لم يعد قادرًا على مزاولة مهماته رئيسًا للبلاد، بفعل وضعه الصحي وتقدمه في السن.

وإن كان بوتفليقة يرى أن ترشحه للمرة الرابعة ضمانٌ لاستقرار البلاد، إذ قال في كلمة بثها التلفزيون الحكومي في 3 أبريل الجاري إنه سينذر العهدة الجديدة لحماية الجزائر مما وصفها التحرشات الخارجية الداهمة بأشكالها كافة.

بين الجيش والاستخبارات
ومع ذلك فإن مراقبين يرون أن ترشح بوتفليقة يعبر فقط عن توافق مرحلي لا أكثر بين أركان الدولة التقليدية، التي نجح هو في إعادة هيكلتها خلال رُبع قرن في سدة الحكم، فهو حين وضع أولى قدميه لدخول قصر المرادية كان يعلم يقينًا أن تصرفاته وتحركاته محسوبة جدًّا، وأن الجزاء أو العقاب قد لا يتأخر لحظة، غير أنه استطاع بحنكة فائقة أن يضع حدًّا لكل ذلك، إذ كانت أمامه دولة برأسين أحدهما عسكري وآخر استخباراتي، وكان عليه أن يقلص من دور كليهما لتكون الرئاسة هي الرأس الأوحد، فتحالف مع مؤسسة الاستخبارات على حساب مؤسسة الجيش، ونجح في تقليص دور الجيش في الحياة العامة، وظهر ذلك حين دعم قادة في المؤسسة العسكرية علي بن فليس في انتخابات 2004، وعلى إثرها استقال قائد الجيش الفريق محمد العماري أو أجبرته الظروف على ذلك.

هكذا إذا نجح بوتفليقة في كسر واحد من الرؤوس، ليبدأ دون أن يأخذ استراحة محارب، في الحرب على الرأس الآخر، حليف الأمس، وقد نجح في ذلك.

الأمس واليوم
إلا أن نجاحه في ما مضى من أيامه قد لا يكون ضامنًا لنجاحه في ما هو ماثل اليوم من تحديات، فالرجل في وضع صحي جعله يعجز عن المشاركة في مؤتمر انتخابي واحد حتى الآن، واختصر ظهوره الذي صبح نادرًا جدًّا على مناسبات بعينها، مع اختصارها وندرتها.

ومع تصاعد الاحتجاجات في الآونة الأخيرة، وانعدام أي بادرة للحل قائمة على التفهم للمعطيات الداخلية والإقليمية، ستكون الجزائر أمام منعطف تاريخي بكل معاني الكلمة، فإما أن يقود إلى انفراج يسمح للبلاد بالتقاط أنفاسها والتصالح مع ذاتها ومحيطها، أو يسوقها إلى نفق قد يكون ثمنه باهظًا.

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات