Atwasat

«اقنيص».. شيخ «المالوف الليبي»

القاهرة - بوابة الوسط: أسماء بن سعيد الإثنين 05 يناير 2015, 01:46 مساء
WTV_Frequency

اشتهر فن المالوف في ليبيا وتحديدًا في العاصمة طرابلس منذ القرن الثامن عشر، وهو تطوير لفن الموشحات الأندلسي، وكان يقدم في المناسبات الدينية والاجتماعية خصوصًا الأفراح، ويرجع فضل المحافظة على هذا الفن والتراث لـ«الزاوية العيساوية»، الذي انتقل عبرها للناس حتى وصل للبث المباشر في القسم العربي بالإذاعة الإيطالية في طرابلس الغرب في أكتوبر 1938، ومن الذين قدموا فقرات المالوف في ذلك الوقت الشيخ محمود كانون المعروف باسم «البرداش».

وفي سنة 1949 انتقل هذا الركن إلى قيادة الشيخ محمد اقنيص، فكان يقدم حصة إذاعية أسبوعية في هذا الركن، الذي كان يقدمه على الطريقة التقليدية من حيث الآلات، وهنا سنحاول التعريف برائد من رواد فن المالوف وهو الشيخ اقنيص.

حياته
اسمه الكامل محمد أبوبكر أحمد تومية، ولد في طرابلس شارع الزاوية سنة 1916 في أسرة متواضعة تتكون من خمسة أفراد كان والده الشيخ أبوبكر تومية إمام جامع أبو غرارة العتيق (جامع مولاي محمد الآن) وشيخ زاوية أبو غرارة العيساوية في ذلك الوقت، كان الوالد يشتغل (النول) وينسج الأردية، ومنه تعلم شيخنا هده الحرفة، التحق بمدرسة شارع الزاوية للتعليم الابتدائي.

كما أنه كان يذهب إلى محل والده الكائن بمنطقة «المنصورة» وعمره ثلاثة أعوام ليتعلم، فكان يجلس أمام النول يشاهد والده ويتعلم فكانت نظراته تقنص الصنعة ومن هنا أطلق عليه أحد أصدقاء والده هذه الكنية (قنيص)، بما أن والد الشيخ قنيص كان شيخ الزاوية في الجامع كان الشيخ اقنيص يتردد على الزاوية بصفة دائمة ويحضر جلسات الذكر وتعلم فن المالوف الذي أسهمت الزوايا الصوفية في المحافظة على نشره.

تعلم الشيخ هذا الفن على يد الشيخ محمد أبو ريانة الذي لازمه وكان صديقه على الرغم من فارق السن بينهما، أُخذ الشيخ اقنيص أسيرًا إبان الحرب العالمية الثانية وقضى في الأسر ثلاث سنوات ونصف السنة.

بدايته

بعد عودته من الأسر كون أول فرقة متخصصة لتعليم الشباب فن المالوف، وفي سنة 1950 كان الشيخ اقنيص أول من أدخل فن المالوف للإذاعة الليبية وقاموا بتكليفه هو وبعض المشايخ بحفظ هذا التراث، وتدوينه وهو ما قام محمد مرشان بتدوينه في كتابه «الموسيقى قواعد وتراث» ومنها نوبة جمر الهوى المحفوظة في أرشيف الإذاعة الليبية.

وكان من ضمن الفرقة الشيخ محمد اقنيص ونوري كمال وسلام قدري ومفتاح علي وغيرهم ثم أُسست فرقة مالوف وأدت بعض النوبات، ولم تستمر أعمال هذه الفرقة، بسبب قيام الإذاعة بتأسيس فرقة الإذاعة للمالوف والموشحات وتولى قيادتها الأستاذ حسن عريبي، وكان ذلك سنة 1964 وكان مدربو الفرقة الشيخ محمد أبو ريانة والشيخ محمد اقنيص والشيخ علي منكوسة في جانب المالوف.

وتم تسجيل النوبات وانتشرت بين الأوساط هذا مع استمرار ركن اقنيص للمالوف التقليدي، ومع صدور قرار من الوزير خليفة التليسي سنة 1964 بشأن تكوين لجنة المحافظة على التراث الأندلسي سجلت ما يقرب من 250 نوبة وهي ما زالت محفوظة بقسم الإذاعة، فكانت له يد طولى في المحافظة على كثير من النصوص النغمية.

كما قام بتدريب فرقة الإذاعة سنة 1956، وعندما تم تأسيس النوادي الثقافية للرياضة والفنون كان مدربًا للفن لنادي الاتحاد بشارع الزاوية، كما أنه يعتبر أول من أنشأ مجموعة صوتية متخصصة في فن المالوف داخل الإذاعة ولحن لها كثيرًا من الموشحات.

والتحق بالسلك الوظيفي كموظف في قسم النشاط المدرسي في وزارة التربية والتعليم سنة 1958، وكان يدرب الطلبة على المالوف والموشحات في كل المدارس الابتدائية والإعدادية في مدينة طرابلس، في هذه الفترة أيضًا عمل كمدرب «للفرقة العربية» بشارع السيدي، واستمر في هذه الوظيفة حتى سنة 1977.

كما عمل الشيخ اقنيص كمتعاون مع معهد جمال الدين الميلادي للموسيقى والمسرح، تتلمذ على يديه كثير من الشخصيات والأسماء التي برز نجمها في عالم الفن والمالوف أمثال الفنان حسن عريبي ومصطفى أبو جراد ومحمد أبو جراد ومحمد خرم.

شارك في انتشار فن المالوف في داخل وخارج ليبيا ومثَّل البلد كمادح حينًا ومحاضر في أحيان أخرى، ومن بين المهرجانات الدولية التي شارك فيها كانت في تونس والمغرب والجزائر السودان واليمن والعراق والكويت ومصر وبريطانيا وإيطاليا وألمانيا.

محطات

حاز كثير من الجوائز التكريمية، كان من أهمها وسام الريادة وجائزة الدولة التقديرية للفنون والآداب، أسس كثيرًا من فرق المالوف والمشحات، منها فرقة «الشروق» وفرقة «الزاوية الغربية» وفرقة «معهد جمال الدين الميلادي» و«فرقة اقنيص».

كان محل تقدير كبار الموسيقيين في الوطن العربي، فالتقى وتعاون مع الموسيقار الدكتور صالح المهدي، والموسيقار الفنان عطية شرارة، وأحمد الحفناوي وعبدالفتاح منسي، ونظرًا لسمعته الفنية سعى الفنان القدير صباح فخري لزيارته في بيته الكائن بشارع الزاوية في صيف 1989، كما تمت تسمية الدورة الخامسة لمهرجان طرابلس للمالوف والموشحات باسم الشيخ اقنيص تكريمًا لجهوده في فن المالوف، وكانت تحت اسم دورة الشيخ محمد تومية - اقنيص والتي كانت في أغسطس 2006.

من موشحاته
تعتبر «دمعي جري عن صحن خدي كالمطر» و«الحادي صح» و«يا محمد» و«ظبي سباني» و «يا أهل الحمى» و «قد هاجت أشواقي» من أشهر موشحاته.

وفاته

توفي في فجر الأحد الموافق 26 أبريل 2000 وشيع جثمانه من جامع مولاي محمد في شارع الزاوية إلى مقبرة الصحابي الجليل سيدي منيذر، في ميزران سيرًا على الأقدام، كانت جنازة مهيبة لم تشهد العاصمة طرابلس مثيلاً لها، فقد تجمع آلاف من محبيه وتلاميذه وأصدقائه ومعظم أهل المدينة لتوديع علم من أعلام المالوف الطرابلسي.

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
فنانون أيرلنديون يطالبون بمقاطعة «يوروفيجن»
فنانون أيرلنديون يطالبون بمقاطعة «يوروفيجن»
لأول مرة.. ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب في 2024
لأول مرة.. ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب في 2024
ذكرى الوحدة الوطنية تحت مجهر القبة الفلكية
ذكرى الوحدة الوطنية تحت مجهر القبة الفلكية
أولمبياد باريس: متحف اللوفر يقدم جلسات رياضية أولمبية
أولمبياد باريس: متحف اللوفر يقدم جلسات رياضية أولمبية
باكورة إصدارات «غسوف»: رواية ورياضة وتراث
باكورة إصدارات «غسوف»: رواية ورياضة وتراث
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم