Atwasat

دراما رمضان: ليبيا صحراء يلعب فيها الإرهاب كرة القدم

القاهرة - بوابة الوسط: محمود العرفي الإثنين 04 يوليو 2016, 12:45 صباحا
WTV_Frequency

سلطت الدراما العربية الضوء على فكر تنظيم «داعش» الإرهابي من خلال مسلسلات وبرامج هذا العام، ولم تغب عن الأعمال الرمضانية الرسائل السياسية التي تصب في مصلحة البعض وتضر بالبعض الآخر، وحملت في طيات حلقاتها الكثير من الإسقاطات التي تتعلق بالوضع الراهن لكثير من البلاد العربية، واستثنت أخرى مما ترك أثره على المشاهد العربي وآثار تساؤلات كثيرة تم طرحها وما زالت تطرح عن طبيعة العلاقة بين الدراما والمواقف السياسية المتغيرة للأنظمة، ومدى تأثير هذه الأعمال في الجمهور وسبل مواجهة ما تقدمه أحيانًا من تزوير أو تدليس أو تشويه للحقائق أو الأحداث وأحيانًا يصل الأمر إلى حد العبث بالتاريخ.

مسلسل «صد رد» والذي يعرض على قناة mbc مصر هو أحد نماذج هذا النوع من الاستغلال المادي لمصائب الآخرين، في البداية لن أتطرق إلى نقد فني للمسلسل لأني لست صاحب اختصاص، ولكن كمشاهد أعتقد أنه لا يمكنني أن أصفه لا بالعمل ولم ألتمس فيه فنًا، ولكن ما استفزني ودفعني للكتابة عنه هو تلك الحلقات التي قدمها الكاتب مستحضرًا فيها ليبيا كصحراء يلعب فيها الإرهاب كرة القدم مرتاحًا، فليس هناك من جيش يحاربه أو شعب يرفضه! فقدم المسلسل 4 حلقات متصلة تدور أحداثها في ليبيا عندما سعى أبطال العمل إلى الهجرة، فتعرضوا للخطف من قبل جماعة إرهابية ليظلوا في ضيافتهم أيامًا إلى أن تمت إعادتهم مفخخين إلى مصر، ويبدو أن مصائب قوم عند قوم فوائد، وهذا مما يؤكده الكاتب رشاد كامل عن استغلال الفضائيات لمصائب الشعوب العربية «كلما شاهدت برنامجًا على فضائية مصرية أو عربية تذكرت هذا المثل، فببساطة شديدة، هذه الفضائيات لا تعيش ولا تزدهر وتكسب إلا على مصائب الآخرين وكوارثهم، سواء كانت لوطن أو أفراد»، ولا أعتقد أن هناك من قد يختلف معنا في هذا عدا من يمارس هذا الاستغلال ليرتزق من آلام وأوجاع الآخرين.

يقال إن الدراما تسلط الضوء على المشكلة وليس من شأنها حلها، وهذا صحيح إلى حد ما، ولكن هناك مستويات من كشف المشكلة فما قدمه المسلسل لا يكشف مشكلة وإنما خلق مشاكل ربما لم يلاحظها البعض، ولكنها أثارت حفيظة الكثيرين، وهنا علينا أن نتوقف قليلاً لنعمل على تحليل الكثير من التشويه للواقع الليبي الذي يختلف عما قدم، ولك أن تتابع تلك الحلقات لتسأل نفسك كيف صور لك المسلسل ليبيا من خلال ما شاهدت، وما الرسالة التي استقبلها أي عربي عن شكل الحياة في ليبيا وسطوة الإرهاب فيها، فالكاتب لم يحترم مشاعر الشعب الليبي الذي عانى منذ أكثر من عامين في حربه على الإرهاب راح ضحيتها الكثير من أبناء جيشه والمدنيين الأبرياء، وتشرد ونزوح آلاف الأسر وتفاقم الأوضاع الإنسانية، بل استغل في طرحه هذا ضعف الدولة وعدم استقرار حكومتها ليظهرها بهذا الشكل المستفز، ويستثني مناطق ودولاً أخرى لديها الصراع ضد الإرهاب نفسه.

وحمل مسلسل «صد رد» تجاوزات أخلاقية وانعدامًا للمهنية، وأكثر المشاهد استفزازًا عندما كان الممثل محمد عبدالرحمن «كونو» مجبرًا على الحراسة وإذا به يستمع إلى حديث إرهابيين عن عملية يتم التجهيز لها لتكون في مصر، فانتفضت وطنيته فجأة «والتي اختفت بمجرد إشهار السلاح في وجهه» ليصرخ عاليًا «إلا مصر يا أولاد الكلب» ما المقصود وهل يمكننا أن نفهم من هذا أنه لا يهم أن يعيث الإرهاب في ليبيا أو غيرها من البلاد فسادًا؟ وأن المهم فقط هو مصر! أهذه هي الرسالة التي يجب أن نعلمها لأبنائنا.

هذا ما تابعته من خلال العمل وتعاطيه مع قضية الإرهاب في ليبيا، متجاهلاً أو متناسيًا أن الجيش المصري في سيناء يحارب الإرهاب نفسه، فلماذا هذه الصورة المشوهة لبلد لطالما كان صاحب مواقف إيجابية وعلاقات أخوية وودية مع الشعب والجيش والحكومة المصرية، قد يتحجج الكاتب أو المدافعون عن العمل بمفهوم الكوميديا السوداء، ولكن ذلك لا يعني تجاوز هامش الحرية المسموح به عند التنظير لقضية تتعلق بمجتمع عربي، إن كان ما حدث يمكن أن يسمى تنظيرًا ما تم تقديمه يعتبر استهزاءً بالوضع الليبي وتشويهًا لحقيقة ما يحدث فعليًا على الأرض، ويجب الاعتذار عنه عبر وسائل الإعلام المختلفة من أسرة المسلسل والقناة التي قدمته، فما حدث ليس بالشيء السهل والرسائل التي حملتها تلك الحلقات لا يجب أن تمر عرضًا، وكما قال الدكتور صالح بن سبعان «إن أي عمل درامي اجتماعي ثقافي عندما يعكس ويحكي لغة الواقع تجد أنه يتابعه شريحة عظيمة في المجتمع، وبالتالي تصل الرسالة خاصة إذا كان يجسد حقيقة وواقعًا».

أما الحال التي آلت إليه أغلب الأعمال الدرامية والبرامج هذا العام أنها راحت بعيدًا عن ملامسة هموم الناس، ونقل معاناة أبناء الوطن بل أصبحت مقترنة بالمؤسسات الربحية مما أسهم في ترديها، وبالتالي أن ما قدم وأن اختلفت الأساليب والطرق في طرحها للقضية اتفق فيه الجميع ضمنيًا على استثمار هذا التيار الفكري المتطرف ماديًا دون الاهتمام بما قد ينتج عن هذا من عواقب تمس المشاهد نفسيًا وفكريًا، إن أي عمل فني لابد أن تكون له نتيجة فهل حملت لنا تلك الأحداث شيئًا من التفاؤل أم أنها زادتنا إحباطًا؟

عن نفسي تابعت تلك الحلقات وأحزنني كثيرًا ما قدمه العمل فتركت شاشة تلفازي قاصدًا القهوة لعلي أنفخ مع دخان سجائري غضبًا شديدًا لتلك الإساءة التي تعرض لها وطني وأصرف بصري لشيء قد يكون أكثر فائدة.

كلمات مفتاحية

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
جائزة «غونكور» في بلاد أورهان باموك تعكس استمرارية الفرنكوفونية في تركيا
جائزة «غونكور» في بلاد أورهان باموك تعكس استمرارية الفرنكوفونية ...
عميل سابق في الموساد كتب رواية مطابقة لهجوم حماس على إسرائيل قبل سنوات قلِق على المستقبل
عميل سابق في الموساد كتب رواية مطابقة لهجوم حماس على إسرائيل قبل ...
وفاة الفنان المصري القدير صلاح السعدني عن 81 عاما
وفاة الفنان المصري القدير صلاح السعدني عن 81 عاما
إطلاق طوابع بريدية خاصة بالمواقع التاريخية الليبية في قائمة «إيسيسكو»
إطلاق طوابع بريدية خاصة بالمواقع التاريخية الليبية في قائمة ...
كتاب وأدباء ومثقفون: هكذا تأثرنا بحرب الإبادة الجماعية في غزة
كتاب وأدباء ومثقفون: هكذا تأثرنا بحرب الإبادة الجماعية في غزة
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم