Atwasat

الثورة المختطفة.. والحاجة إلى تفجيرها من جديد

يونس فنوش الأحد 23 مارس 2014, 03:41 مساء
يونس فنوش

جاء في حديث للصديق إدريس بن الطيب، لـ"بوابة الوسط"، ما يلي: "إنّ المشهد الآن أشبه بمنتصف فبراير 2011". وهذه عبارة لها دلالات مهمة على أننا بتنا نشعر الآن، بعد ثلاث سنوات من تفجر الثورة وتمكنها بعد حرب دامت ثمانية أشهر من القضاء على القذافي وتحرير كامل التراب الوطني، بأن الثورة لم تحقق أيًّا من أهدافها الحقيقية التي ضحينا جميعًا من أجلها، وأن السلطات التي خوَّلناها إدارة شؤون البلاد، بالطريقة التوافقية في بادئ الأمر (المجلس الوطني الانتقالي والمجالس المحلية)، ثم بطريقة الانتخاب (المؤتمر الوطني العام وحكومتيه)، لم تحرز أي إنجاز يُحسب لها على صعيد الوفاء بالاستحقاقات التي كلفها بها الإعلان الدستوري، وأخفقت إخفاقًا مؤلمًا في إدارة شؤون البلاد على صعيدي الخدمات والاقتصاد وغيرهما، وجرت البلاد إلى مسيرة مرعبة من الفساد، أخذت تستنزف ثرواتها في مختلف أشكال السرقات والمحاباة وتوزيع المصالح الشخصية والمنافع الفردية، وأخيرًا اتخذت من القرارات ما لا يزال يهدد باندلاع حرب أهلية، سوف تأتي على الأخضر واليابس، وتمحو الثورة من جذورها.

أما الأخطر من ذلك كله فهو جر البلاد إلى أن تقع رهينة للعشرات من الجماعات المسلحة، التي تكوَّن كثير منها بعد إعلان التحرير، وانتحل أفرادها صفة الثوار، وتمكنوا من الاستيلاء على ترسانات هائلة من السلاح، أخذوا يبتزون بها الدولة لتحقيق مآرب ومصالح ومنافع ذاتية. ثم تضافرت مصالح هذه الجماعات، على اختلاف أسس تكوينها وانتماءاتها، للعمل على عرقلة مسيرة البلاد في اتجاه وضع أسس الدولة الديمقراطية، دولة القانون والمساواة والعدالة، وكان في مقدمة ذلك عرقلة مساعي وخطط بناء الجيش والشرطة، مرورًا بالسيطرة على أجهزة الأمن والاستخبارات لتوظيفها لخدمة تلك الأهداف والمآرب.

وهكذا وجدنا أنفسنا بعد مرور ثلاث سنوات على تفجر الثورة، وقد تراجعنا حتى عن نقطة الصفر التي بدأنا بها بعد إعلان التحرير، وبتنا بحاجة فعلية إلى القيام بثورة جديدة، لاسترجاع الثورة المختطفة والمنهوبة وانتزاع زمام الأمور في أيدينا

وهكذا وجدنا أنفسنا بعد مرور ثلاث سنوات على تفجر الثورة، وقد تراجعنا حتى عن نقطة الصفر التي بدأنا بها بعد إعلان التحرير، وبتنا بحاجة فعلية إلى القيام بثورة جديدة، لاسترجاع الثورة المختطفة والمنهوبة وانتزاع زمام الأمور في أيدينا، وافتكاك البلاد ومصيرها من أيدي هذه الفئات المهيمنة والمسيطرة، بأساليب الإرهاب والعنف والقوة، وتمكنت من خلالها من الهيمنة المطلقة على المؤسسة الشرعية التي يفترض أنها تمثل إرادة الشعب (المؤتمر الوطني العام) الذي أصبح قراره مرتهنًا بإرادة هذه الفئات.

ولقد كان موقف المؤتمر الوطني من المقترح الذي قدمته لجنة فبراير بتعديل الإعلان الدستوري أقوى دليل على هذا، عندما رفض اعتماد المقترح كما قدم له، وأصرت الفئة المتحكمة في المؤتمر على إجهاض المقترح وإفراغه من جوهره، وهو المتعلق بالانتخابات الرئاسية المباشرة. وها هي هذه الفئة تسعى، أو لعلها قامت بالفعل بسحب التخويل الذي مُنح للجنة فبراير، فيما يتعلق بوضع قانون الانتخابات. بكل بساطة لأنها، من خلال لجنة التشريعات التي تهيمن عليها داخل المؤتمر، لديها قانون انتخابات جاهز، وضعته بالطريقة التي تؤمن لها فرصًا أكبر للوجود في مجلس النواب المنتخب.

وقد رأيت، من خلال الكثير من التعليقات والرسائل التي وصلتني حول موقفي الأخير من المؤتمر، أن كثيرين لم يستوعبوا أبعاد وخلفيات قراري بالعمل في لجنة فبراير ثم قراري الانسحاب منها.

وقد رأيت، من خلال الكثير من التعليقات والرسائل التي وصلتني حول موقفي الأخير من المؤتمر، أن كثيرين لم يستوعبوا أبعاد وخلفيات قراري بالعمل في لجنة فبراير ثم قراري الانسحاب منها. وقد قلت في بيان لي أصدرته بالخصوص: إنني، منذ البداية، لم أكن مطمئنًّا إلى نوايا المؤتمر وأغراضه من وراء تشكيل لجنة فبراير، وكان لديَّ إحساس قوي بأن المؤتمر يريد أن يتخذ من اللجنة ستارًا لتمرير أغراضه ونواياه. ولما لم يأتِ مقترح لجنة فبراير كما كانوا يتمنون ويريدون، صرفوا النظر عنه تمامًا، بل ألغوه وقرروا الحديث بدلاً من ذلك على انتخاب مؤتمر وطني بديل بنفس قانون الانتخابات السابق.

وهكذا أعود لأستأنف الحديث بما بدأت به، وهو أننا في هذه الأيام نجد أنفسنا نعيش الظروف نفسها التي كنا نعيشها في منتصف فبراير 2011، وأننا بناء على ذلك بحاجة إلى ثورة تصحيحية جديدة، عسى أن نستعيد بها زمام الأمور في أيدينا –نحن الشعب- ثم نعيد ترتيب أمورنا بما نراه يخدم أهدافنا في وضع أسس الدولة الديمقراطية التي قُمنا بالثورة من أجل بنائها وتطويرها، تلك الدولة التي تتمكن بالفعل من توفير الأمن لجميع مواطنيها، على حياتهم وأرزاقهم وأعراضهم، ومن بسط سيادة القانون عليهم جميعًا، دون تمييز، ومن تحقيق المصالحة الوطنية، بعد تطبيق العدالة الانتقالية، والشروع في إنعاش الحياة الاقتصادية وإطلاق مسيرة النمو والتطور.