Atwasat

سلام عليك يامنذر

د. مها المطردي الأربعاء 02 مارس 2016, 10:03 صباحا
د. مها المطردي

ضوء ينبعث من العتم يعانق رحم السماء يسقط بخيوطه على زجاج شرفتي فتعلن فرحتها له بقطرات من دموع نديه على خدها عند ملامسة دفئه لها. أشيح عنها ذلك الستار لينبثق النور إلى قلبي وأطلق روحي للسماء مع سرب حمام يدور كل صباح أمام الشرفة على راية بيضاء فتمنحه أشعة الشمس لونا في الذهاب ولمعة فضية في الرجوع.أميل بنظري إلى شجرة الياسمين وأنا أعرف أنها تنتظر شهر مايو لتبعث لي عبق زهورها الخجل فيتمطى داخل أنفاسي بهدوء "صباح الخير يا ياسمينة".

هدوء وسكون يلف الصباح ولكني من أولئك الذين يستمعون إلى حديث السكون، ولا أعترف بعبارة" السكون المميت" فالسكون "حي". لأن الأشياء تقفز إلى أذهاننا من هذا السكون لنشعر أن كل حواسنا تقف متحفزة على أطرافنا فنسمع طنينا خافتا في أذاننا. قد يكون صوت الذاكرة بداخلنا وهي تعزف أنشودة وجوديتها.

أحضن بيدي فنجان قهوتي وأذهب بخيالي وأنا أمتطي صوت فيروز الذي عشت حياتي على عشقه فيبعث لي رسائل أعجز أحيانا عن فك رموزها. رسائل تعبر الهواء تحدثني عن الحب في حياتي. الحب الذي يلغي كل الفصول والمواسم. وحروفه على شفتي أشهى من ديوان شعر.

حين أستدعي من أستدعيهم من ذاكرتي، يأتي ذلك المنذر البعيد الذي لم يتعلم كيف يغيب ولا يريد أن يغيب. يأتي دائما الأول فهو الأقرب إلى شوق قلبي وعيني ويدي.هو حب يقف بيني وبينه نهر وطاغية وجنود يحيلون أوراق المحبين إلى فضيلة المفتي. هو حبيبٌ، قلبي معلق بين حروف رسائلي إليه- ولقد وضعت بالأمس رسالتي الألف لصندوق بريده- الذي أبعدته عليه أيادي مظلمة سوداء. قال لي يوما: إن قلبي يقول للقمر أنه يحبك، فاتفقنا أن نبلغ القمر بما في قلوبنا كل مره. وهل مثل القمر رسول للقلوب؟؟

يأتيني على هيئته كما تركته بقبلته التي لم أنسَ طعمها. يأتي وكأنه لم يغادرني أبدا أجلس معه أحاوره ثم أتركه يرحل وهو يعلم أني أحبه وأشتاق إليه في كل لحظة. هو جسد صغير تقبع تفاصيله بذاكرتي. أحلم به وكم أرتبك لهيبة حضوره حينما يقرر أن يمنحني لهفة لقائه في الحلم.هو يمامة بيضاء تملأ السماء بهجة، هو لغة الياسمين في شفتي.عسلي العينين يقضم قلبي بدلاله فيدوخ قبل أن ينهي نصف ابتسامته وأغرق في ملامحه. أسأله أتحبني؟ يجيبني بثبات وعينه معلقة في عيني ويده مستقرة على خدي "نحبك موت وحياة".

فوضوي الشعر زهري الشفاه يتحين الحضور مجيأه ليحسبوا كم مرة يتقرب مني في الجلسة الواحدة ليشاركني أنفاسي وكأنه يستمد قوته منها ليسترسل في شؤونه. يعاتبوننا على المبالغة في التعبير فأجيبهم بقبلة أزرعها على كفه أستودعه بعدها في أمان الله الذي لا تضيع ودائعه.

في الصباح هو شريك رقيق لفيروز يدندن لي معها" شايف البحر شو كبير..شايف السماء شو بعيدي".. أحبك.. وفي المساء يصدح بعلو الصوت" قمرا يا قمرا" وهو يجلب لي ما تساقط من زهور ياسمينتا ليضعه على صحن فنجان قهوتي ليكتمل مسائي به وبفيروز وعبق ياسمينه.

أنتظر رجوعه بلهفة المحب وفي يدي البخور الذي يعشقه متحينة لحظة إعلانه أنه أتى من أول الدرج فتسرع خطاي إليه ليسمع غناء قلبي له قبل لساني" مرحبتين بنور العين" يطوق عنقي بيديه ويدفن انفه عند أذني ويهمس لي" يا مامتي يا حلوتي يا زهرتي".

يا طفلي المحب.. بالحب ستأتي وسيفرد الليل ابتسامته على كتفي.. وسيبقى عيد ميلادي الحقيقي على ميعاد حضورك.. فكلنا نقف على مشهد عظيم حين أنزل الله محبته على السيدة آسيا لينجو سيدنا موسى من الموت حتى جمعه بأمه.

وبلسان المحب العاشق جلال الدين الرومي أقول:
يا ظريف العالم سلام عليك
إن دائي وصحتي بيديك
وإذا لم أصل إليك ببدني
فإنما الروح والفؤاد لديك
وإذا كان الخطاب ﻻ يصل إليك من دون كلام
فلماذا أصبحت الدنيا مملوءة بـ...لبيك.