Atwasat

فلانتاين برائحة الدم القادم

حسام الوحيشي الثلاثاء 16 فبراير 2016, 08:37 صباحا
حسام الوحيشي

بين نقيضين لا صواب يطالهما تكمن الأزمة. لا واقعية تكسر عنق الاتفاق تحت شعارات لامعة. يملؤها ضباب يجعل الرؤية مصابة بشلل نصفي.

أحدهم يطلب كل الوزارات التي في السلة لكي يرضى .. والآخر يطلب من كل الأطراف التي تتحلق كراسيها حول طاولة المجلس الرئاسي أن تتخلى عن كل وزاراتها لكي يرضى.

ماهو مفهوم الوفاق عند هؤلاء بغض النظر عن الحكومة و هل ستمر أم سنعود للمربع الأول ويشكل مجلس فرقاء آخر أو سنرجع لما قبل الصفر بكثير ويختلط حابل الإنقاذ مع نابل المؤقتة ويبقى الانقسام الحالي مع وقف الانفصال العلني أم سينتصب الشبردق شامخا أو سيحل الحسم العسكري لصالح أحد أطراف المعضلة على الخريطة بعد حرب أهلية ضارية.

ربما تخرج فيها داعش كمنتصر وحيد رغم رجوح كفة فريق من المتناحرين.

إذا كان مفهوم التوافق لدى عمر الأسود يقول أن الوفاق الوطني هو تخلي كل المتصارعين عن مكاسبهم السياسية فلماذا كل هذا اللغط المسلح منذ سنة ونيف إذاً.

إذا كان الآخرون من مقاعدهم حول طاولة المجلس الرئاسي يفكرون هكذا فما الداعي لوجود التوافق برمته.

إن معنى كونهم يفكرون وفق مفهوم عمر الأسود للتوافق ينهي أساسا سبب قيام الاتفاق. فالمتفقون لا يتوافقون لأنه لا صدام بينهم أصلا.

وإذا كان مفهوم التوافق عند علي القطراني يعني الحصول على أكبر قدر من المغانم السياسية، بل يكاد يكون مفهومه للتوافق مبنيا على إقصاء كل الأطراف الأخرى وخروجهم من حول المنضدة بلا شيء مكعب.

فلماذا كل هذا الشد التحاوري والجذب التخابطي والجدل المعزز بالرصاص في الجبهات المترامية على الأرض الليبية.

إن هذا المفهوم يقود إلى طريق واحدة لاشية فيها وهي اللاوفاق مع سبق الإصرار والتعنت.

فأن تدخل حوارا حالما بأن الآخرين يحملون الفضيلة شعارا والزهد معيارا عمل يعني أنك أحمق.

وأن تدخل حوارا رانيا إلى حصد كل الحقائب وتوزيعها على من تريد لا يدل إلا على أنك أحمق أيضا.

لنقل بأسلوب مختلف أنك لست أحمقَ بل مجرد جاهل لما أنت مقبل عليه.

إن الجدل المثمر الوحيد ليس ذلك الذي يدور حول مفهومين مشوهين للتوافق، بل الذي يلف على المفهوم السوي للتوافق الناص على أن الحوار عملية تصيغ كل التناقضات في قالب مفرد عندما يعتبر أطراف الصراع السابق وأطراف الجنوح للسلم الحاليين، أن الوطن يسعهم جميعا ليتشاركوا دون العيش في أوهام المثالية أو الحياة بمنهج متطرف لا يعترف بما عداهم مع احتساب الظرف الطاريء الذي تمر به البلاد والزمن الحالي وتسلسل أحداثه.

الجدل المثمر يجب أن يكون على خلفية واقعية تقول إنه لا أحد قادرا على السيطرة على مربع الآخر، وأن استمرار النزف سيوسع مربع الخصم المشترك لكل الأطراف الذي يسعى لإنهائهم جميعا.

الجدل المثمر يجب أن يضع نصب اختياراته أن الاقتصاد الليبي يتداعى، وقوت الناس يجعلهم يجأرون بالصراخ، وما تبقى من نسيج اجتماعي تهلهل ولا يحتمل المزيد من اللعب بأعناق الليبيين.

الجدل المثمر يعنى أن يفهم جميع المتقابلين في غرفة المجلس الرئاسي أن مستقبل وطن بقضيضه يقع على كاهلهم.

بلا خوض في المثالية التي لا تقع في نطاق السياسة.

وبلا إقصاء لم يلج حجر السياسة يوما.

الجدل المثمر هو ذلك الذي لم تشعر به حواسي فيما يمارسون من عبث إلا القليل جازاهم الله خيرا وكلل أعمالهم بالنجاح.