Atwasat

لا إكراه... أيقونة غائبة!؟

صالح الحاراتي الثلاثاء 21 أبريل 2015, 10:54 صباحا
صالح الحاراتي

ﻻ إكراه- أيقونة غائبة عن شاشة تفكيرنا ومفتقدة فى قائمة تشغيل عقولنا مما سبب ويتسبب فى حالة من العطالة المتكررة فى نظام حياتنا!؟

ﻻ إكراه- تمثل قيمة كبرى هامة بل ركيزة من الكليات الكبرى التي تؤكد بعمق الكرامة الإنسانية كذات فاعلة فى الحياة ، والتصورات الكبرى تبنى على فرضيات ومسلمات قد ﻻ ننتبه إليها وقد تحسب ضمن المسكوت عنه مثل هذه المفردة ولكن ﻻبد أن نعيد إليها حيويتها حتى تتراكم وتزداد مع الزمن وحتى تصبح حقائق، ونمط تفكير وسلوكا ونبني عليها رؤيتنا الكلية للحياة.

يقينى أن اللا إكراه قيمة مفتقدة وغائبة عن عقولنا وعليها غشاوة وحان وقت اهتمامنا بها وإحيائها فى النفوس والعقول. وحيث أن الإكراه يعنى حمل الغير على قول أو فعل لا يريده عن طريق التخويف أو التعذيب أو ما يشبه- أكره الشَّخصَ على الأمر أجبره عليه، أرغمه تحت الإكراه-.
لذا كلما مررت بمفردة اللا إكراه أتوقف عندها..

فالإكراه لم ينتج لنا عبر التاريخ إﻻ الكوارث والدماء، ربما حقق شيئا من سكون الخوف ولكنه ﻻ يدوم فسرعان ما يثور المكره على من أكرهه ويستمر الصراع والإكراه المتفشي فى بيئتنا، والذي أعنيه هنا هو الإكراه ضمن إطار الفهم الدينى المغلوط وانتشار التكفير والتطرف والإرهاب.

وهنا لطالما تساءلت:
هل يكون هناك إيمان قلبي يمكن أن يحدث بالإكراه.. وإن نطق اللسان؟. وهل يقبل الله متدينا منافقا!؟ وكيف يحاسب من أكره على فعل ما، هل من العدل محاسبته!؟

قرأت لأهل الوصاية على الدين ما معناه أنها منسوخة بآية السيف ولم يقنعني كل ما ذهبوا إليه... حتى جاءت صدفة جميلة حين عثرت على معنى تناوله المفكر السوري جودت سعيد فى كتابه(كن كابن آدم )..والكتاب، للعلم، مبسوط على الانترنت.

يقول.. لقد دفعت الإنسانية ثمناً باهظاً حتى قبل الناس الفكرة القائلة بـ(لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)، وإن كانوا لم يطمئنوا إليها بعد.

ويقول:"الإكراه ﻻ يصنع إيمانا".. وتناول المفردة بفهم يبدو أنه يقترب مما كنت أفكر فيه باعتبار الحرية من الكليات الكبرى.. واستمر رنين المعنى يصيبنى بشيء من المتعة الفكرية وكأني أستمع إلى إحدى روائع أم كلثوم أو أنصت إلى عزف موسيقى محبب إلى نفسي، وﻻ زلت مشغوﻻ بأن أتابع كل من يكتب عنه لإزالة الركام حول تلك المفردة فى محاولة لتجذير المعنى...

الإكراه لم ينتج لنا عبر التاريخ إﻻ الكوارث والدماء، ربما حقق شيئا من سكون الخوف ولكنه ﻻ يدوم

وأعود إلى ما قاله العم جودت سعيد بعد أن يضع النص(لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ) قائلا :(إذا كان اللاإكراه واجباً في الدين الذي هو أقدس المقدسات، فمن باب أولى ألاّ يكون هناك إكراه فيما دون ذلك، فباستطاعتك أن تقول: لاإكراه في السياسة، ولاإكراه في المذاهب، ولاإكراه في القناعات).

وأراه على صواب حيث اللاإ كراه هو ما يعطى القيمة والمعنى للأمانة التي حملها الإنسان وهي حرية اﻻختيار والتى بدورها مناط الفوز أو الخسارة.. إما شاكرا وإما كفورا..

لا أريد الإطالة لأكمل استدﻻلي، ولكن هناك الكثير مما يؤيد هذا الفهم فى القرآن...منه:
* (لست عليهم بمسيطر)
*(لكم دينكم ولى دين)
* (لست عليهم بوكيل )
* (ولعلك باخع نفسك على آثارهم ان لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا)
* (إنا علينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم )
وأورد جمال البنا أكثر من عشرين دليلا ليؤكد أن النص- ﻻ إكراه- غير منسوخ كما يدعي البعض؛ ويقول ﻻ إيمان بحد السلطان ويشير إلى أنه ليس من السهل إزاحة التراكمات التي عمقت فكر التكفير والردة والتي يتمسك بها الكتاب الإسلاميون حتى من يدعي اﻻعتدال منهم
وبعد كل تلك الآيات وغيرها، هل يجرؤ أحد على أن يقول إن القرآن لا يقرر حرية الاعتقاد، وإنه يجبر الناس على الإيمان؟ هل هناك من يقول نأخذ بكلام عكرمة(وهو مولى ابن عباس):«من ترك دينه فاقتلوه»، ونرفض كلام جبريل عن الله رب العالمين؟ الذى يقول ﻻ إكراه فى الدين خاصة لو استحضرنا أن آدم فى القرآن عبَّر عن حريته بالأكل من الشجرة أي ليس بالطاعة، ولو أطاع مباشرة لما عرفنا بأنه يملك حرية الاختيار.

أورد جمال البنا أكثر من عشرين دليلا ليؤكد أن النص- ﻻ إكراه- غير منسوخ كما يدعي البعض

ستبقى أيقونة-ﻻ إكراه- دليلا صريحا ومنطلقا حقيقيا لفهم طبيعة الوجود الإنسانى.. الإنسان الحر المكرم بغض النظر عن جنسه وعرقه ودينه- ولقد كرمنا بني آدم-

تكريم الإنسان باعتباره إنسانًا، يعني لم يذكر كرمنا المسلمين، فالإنسان يكرم بحكم آدميته وانتسابه إلى هذا الجنس البشري الذي آن له التحرر من القيود والإكراهات التى تراكمت لقرون ولتبقى الحرية في أبهى تجليها هي إرادة الفعل وإرادة عدم الفعل في الوقت نفسه.

يقول د. محمد شحرور:(الحرية هي القيمة العليا فى العقيدة الإسلامية ولا يعلو عليها أية قيمة وهي كلمة الله التي سبقت لأهل الأرض جميعاً، وفيها تتجلى عبادية الإنسان لله، لاعبودية الإنسان لله. فعبودية الإنسان حتى لله غير مطلوبة أصلاً والكفاح بكل أنواعه في سبيل حرية الاختيار حتى ولو كان المستبد مسلماً مؤمناً هو الجهاد في سبيل الله. لأنه لإعلاء كلمة الله التي سبقت وهي حرية الاختيار)؛

لتبقَ الحقيقة..(من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)