Atwasat

«محادثات الأمم المتّحدة كانت بشأن محادثات أخرى»

ريتشارد غالوستيان الثلاثاء 03 فبراير 2015, 05:37 مساء
ريتشارد غالوستيان

انتهت الجولة الثانية من المحادثات التي ترعاها الأمم المتحدة والمعروفة باسم «جنيف 2» بفشل جديد الأسبوع الماضي، دون انعقاد الاجتماع الأساسي الموعود الذي يجمع قادة الجماعات المسلّحة، والذين يُعد اتفاقهم حاسمًا لإنهاء الحرب الأهلية.
النقطة الجيدة الوحيدة في محادثات جنيف هي قيام مجموعة من مصراتة بالتفكير في الانسحاب بعيدًا عن «فجر ليبيا» والانضمام إلى البرلمان الشرعي والحكومة في المنطقة الشرقية، وهي حقيقة لم يتم الإعلان عنها بالطبع.

رفض «فجر ليبيا»، وهو ائتلاف من جماعات مسلّحة تحكم طرابلس، الانضمام إلى المحادثات أعاقها منذ البداية. فقد حضر المحادثات وفد من منافسي الائتلاف برئاسة محمد شعيب، عضو مجلس النواب في طبرق.
وذكر مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا، برناردينو ليون، أنَّ حضور ممثلين عن البلديات والمنظمات الحقوقية المدنية وآخرين في جنيف شجّعه للغاية رغم علمه أنهم لا يملكون أية سلطة، وقد استنكر المؤتمر الوطني العام السابق حضورهم بالكامل.
قامت الأمم المتّحدة بنشر مقطع مصور مهين للغاية، يمكن لأي شخص رؤيته على موقع «يوتيوب»، يحتفل بتقدم المحادثات، فالفيديو لا يمثِّل الحقيقة وهو ضرب من الخيال.

الاختبار الحقيقي لأية محادثات سلام هو اتفاق سلام، وهذا يُعد ضربًا من المستحيلات بعد تأكيد «فجر ليبيا» في اليوم التالي رفضها حضور محادثات جنيف أو حتى احترام قراراتها

فالاجتماعات جرت في قاعة مؤتمرات صغيرة في مبنى الأمم المتحدة في جنيف، واستمرت حتى الخميس وليس الجمعة، ولم يمكث ليون لرؤيتهم جميعًا. فقد رحل يوم الأربعاء مساء إلى وجهة لم يتم الإعلان عنها رسميًا، لكن بعض المقرّبين توقعوا سفره إلى تركيا للقاء أردوغان ونوري أبوسهمين. وترك ليون الوفود في قاعة المؤتمرات. فقد كانوا سعداء بدرجة كافية، ولمَ لا فهم أفراد متفتحون عقليًا وليسوا مُتشدّدين من المحسوبين على الطرف الآخر «فجر ليبيا».

لكن الاختبار الحقيقي لأية محادثات سلام هو اتفاق سلام، وهذا يُعد ضربًا من المستحيلات بعد تأكيد «فجر ليبيا» في اليوم التالي رفضها حضور محادثات جنيف أو حتى احترام قراراتها. فائتلاف «فجر ليبيا» متحالف مع سياسيين أعلنوا إعادة تكوين المؤتمر الوطني العام السابق، والذي بدوره عيّن نوري أبوسهيمن رئيسًا للمؤتمر وعمر الحاسي رئيسًا للوزراء. ومن غير الواضح ما إذا كان أي من الرجلين اللذين يقودان زمرة من النواب متحالفًا مع جماعات مسلّحة يجتمعون خلف الأبواب المُغلقة، يُمارسون سلطةً حقيقةً على الجماعات المسلّحة أم لا، ويبدو أنَّ تلك النقطة غير واضحة بالنسبة لهم أيضًا.

ومن غير الواضح ما إذا كان أي طرف منهم راغبًا في الإصغاء لدعوات وقف إطلاق النار، حيث يستمر القتال في غرب ليبيا قرب الحدود التونسيّة، وخارج موانئ النفط وفي بنغازي؛ حيث تتقدّم القوات الحكومية ضد قوات «أنصار الشريعة». وتبقى الفوضى العارمة في الجنوب أيضًا. فعسكريًا يبدو أنَّ القوات الحكومية تفوز، فلماذا يتوقّفون من أجل المُفاوضات؟

جَلبُ الطرفين لطاولة المفاوضات يُعد الأولوية الأولى لدى ليون. ولهذا فهو مُجبر للتفاوض مع كل طرف على حدة،

ومن ناحية أخرى، جَلبُ الطرفين لطاولة المفاوضات يُعد الأولوية الأولى لدى ليون. ولهذا فهو مُجبر للتفاوض مع كل طرف على حدة، وبالأخص سرًا في أنقرة مع المؤتمر الوطني العام في محاولة لإقناعه بالحضور. ويُطالب المؤتمر الوطني العام، من بين شروطه، بنقل المُحادثات إلى ليبيا، وهي عبارة عن منطقة حرب دون مناطق حيادية واضحة، وعدم الاعتراف بمجلس النواب بأنّه الحكومة الشرعية لليبيا. فللحظة يبدو المطلب الأخير مستحيلاً، مع اعتراف أعضاء الأمم المتحدة بحكومة طبرق، ورغم ذلك يصر ليون على تفاؤله. فليون شخص وهمي يتجاهل حقيقة أنَّ طرفًا واحدًا فقط هو من حضر المحادثات التي نُظمت على مدار الأربعة شهور الماضية.

وفي جنيف، لاحظنا عدة أحداث تُثبت عدم وجود مستقبل أمام المُحادثات التي ترعاها الأمم المتحدة.

أولاً، في مؤتمر دافوس 2015، كان الشخص الوحيد الذي حضره هو محمود جبريل، المُهمّش حاليًا، وأعطى نظرة متشائمة، لكن واقعية، عن مستقبل ليبيا قصير المدى بناء على عوامل اجتماعية - اقتصادية. بينما وصف ظاهرة نمو تنظيم «داعش». ورغم كون جبريل من الشخصيات المُثيرة للجدل إلَّا أنه أظهر أنه رجل يستطيع التحكم في قراره في ملتقى دولي. وما كان مدهشًا هو أنَّ رجلاً مثل جبريل، لم يعد من اللاعبين المؤثِّرين في الحياة السياسيّة أو حتى منافسًا حقيقيًا، يملك تلك المهارات التي تفضح عدم الكفاءة التامة لمعظم، إن لم يكن جميع، السياسيين الليبيين الحاليين.

ثانيًا، هجوم مقاتلي تنظيم «داعش» على فندق «كورنثيا» في طرابلس متسببين في مقتل تسعة أشخاص قبل أنْ يقتلوا أنفسهم في الهجوم الذي يسلط الضوء على الانتشار المتزايد للمُقاتلين الأجانب في ليبيا. فالهجوم كان منظمًا للغاية ودقيقًا وجيد التخطيط، وبالتأكيد لم ينفذه ليبيون.

لا يمكنك إقامة مباحثات للتوصُّل إلى اتفاق سلام مع رفض أحد الأطراف المشاركة فيها

ويُثير الهجوم الذي نفّذه تنظيم «داعش» والمعلومات التي وصلت لهم عن الفندق تساؤلات حول الاجتماعات التي تُقام هناك، حيث اجتمع مسؤولون من المؤتمر الوطني العام مع شركة أجنبية لتوليد الطاقة، وتسلط الضوء أيضًا على شركة الأمن، واسمها «Crucible» كانت تحرس ممثّلي الشركة، وأثار شكوكًا أن تمويل مشروعات شركة توليد الطاقة في طرابلس ومصراتة يأتي من «الصناديق الخاصة» التي يتحكّم بها السفير الليبي إلى تركيا عبدالرازق عبدالقادر. فتلك الادعاءات لا يُمكن أنْ تبقى مجرد شائعات. ومع ذلك، يتواجد عبدالقادر في أنقرة، ويُعتقد أنه الرابط بين جماعة الإخوان المُسلمين في ليبيا وبين أردوغان. وعمومًا، فإنَّ الطريقة التي يتعامل بها المؤتمر الوطني مع الأمور لا تتسق مع فكرة ليون حول المباحثات.

لا يمكنك إقامة مباحثات للتوصُّل إلى اتفاق سلام مع رفض أحد الأطراف المشاركة فيها. فهذه الأزمة يمكن حلها عند رفض الدول الغربية بشكل قاطع مجموعة الإرهابيين والمتشددين في «فجر ليبيا » في طرابلس. عندها سينهار الائتلاف تمامًا.
فتلك لم تكن محادثات، بل محادثات بشأن محادثات، فـ«ليون» يحلق بينهم وبين تركيا، مركز الإخوان المسلمين. وفي الوقت الذي تستمر فيه لعبة الدول الغربية، تستمر معاناة الشعب الليبي العادي.