Atwasat

السياسة فن الممكن يا مجلس النواب!!

أم العز الفارسي الإثنين 01 سبتمبر 2014, 04:11 مساء
أم العز الفارسي

يوجد اتفاق عام على وجود اختلاف في المواقف بالنسبة لليبيين على بعض القضايا التي تهدد أمنهم، وسلامة ووحدة أرضهم، ومنها تفاقمُ وحِدَّة التصارع بين البرلمان المنتخب والمؤتمر المنتهية ولايته، وهو خلافٌ بَيِّنٌ الصوابُ فيه، وخلافٌ حول امتثال القوى السياسية التي أثرت على نتائج الانتخابات سواء بالنسبة لمؤتمر 7/7، أو الهيئة التأسيسية للدستور، أو انتخابات البرلمان، وحسمت فيها جميعها انحياز صندوق الانتخابات وأصوات المواطنين الأحرار في إرادتهم إلى التيار المدني، وهذا أيضًا خلافٌ بين الصواب فيه، خلاف آخر يتعلق بحملة السلاح والمتقاتلين وأيهما لديه شرعية ليكون حاميًا للدولة وشعبها ومؤسساتها، وأيهما يمثل القوة الردعية التي يحق لها التدخل لحماية القانون، أيهما يمثل إرهابًا وتخويفًا وتخوينًا ويمارس عنفه بعيدًا عن سلطة الدولة، وهو أيضًا خلافٌ تجاذبته مصالح القوى المتناحرة من ناحية ورغبة البعض في مكاسب سياسية ومادية على الأرض.

الآخر يتعلق بالخلاف على التدخل الدولي وتكييفه دون معرفة مسبقة بطبيعته أو بدوافع الجهة التي طالبت به،.....لا حدود لها، الخلافات، ولكنها تنطفئ كلها بدمائها ورصاصها ونيرانها التي أحرقت الأخضر واليابس حين يجري نهر الفعل السياسي الحكيم، الذي ينحاز إلى الوطن ولا يرى في المواقف المتباينة إلا تنازعًا الصوابُ فيه بَيِّن والشر بَيِّن، وعلى أساسه تتخذ قرارات واضحة وصريحة تهتدي بالثوابت الوطنية في إقامة الدولة المدنية، التي لا تعترف بحَكم بين الأطراف إلا صندوق الاقتراع، ولا ترى عدوًا إلا مَن يهدد أمن البلاد وسلمها واستقرار المواطن ورفاهيته وتنمية قدراته، بما يخدم مصالحه ويلبي طموحاته في دولة أتعبه انهيارها نتيجة السياسات الخاطئة والمواقف العاطفية التي لا تخضع للمعايير السياسية، التي لم تكن ولن تكون يومًا إلا(فن الممكن والمتاح)، وهذا ما لا يظهر في بعض القرارات والمواقف المتسرعة التي صدرت عن رئاسة مجلس النواب في طبرق.

وهذا القرار هو الذي حدا بأردوغان أن يوجه ـ ما يراه دفاعًا عن كرامته ـ نقدًا للبرلمان الليبي، من خلال المقابلة التي أُجريت معه لاحقًا بقناة «الجزيرة» القطرية

فعلى سبيل المثال، تصاعد وتيرة الخلاف بين مجلس النواب والقيادة التركية ليس من السياسة والحكمة في شيء، خاصة من قبل البرلمان الليبي، فما حدث من تداعيات نتجت عن تصعيد مباشر من قبل الليبيين تجاه تركيا، فمن بوادر حُسن النية والاعتراف والتقدير في السياسة أن توجه الدعوة لحضور اللقاءات الرسمية خاصة تلك التي يشارك فيها أطراف عدة قد لا تتاح فرصة اللقاء بهم في مواقف قريبة، ومن المهم أن يتم الحرص على حضورها لتبيين المواقف وكسب الدعم والمساندة، وترتيب لقاءات على هامش حضورها، خاصة ونحن نعاني حالة من الضعف والهوان الداخلي، والغموض وعدم وضوح في مواقف الداعمين، وهي فرصة سانحة عبث بها السيد رئيس البرلمان ربما نتيجة استشارة لا تود الخير للبرلمان، وأقصد الإشارة إلى الدعوة التي وُجِّهت للسيد رئيس البرلمان لحضور حفل تنصيب الرئيس التركي الطيب رجب أردوغان، والتي سبقها اتصالٌ منه بالسيد الرئيس للتهنئة بثقة البرلمان وتمنيات التوفيق والتي تعد اعترافًا واستعدادًا للتعاون بلغة السياسة، وقوبلت الدعوة بالرفض، وهذا ليس بالسياسة ولا يمثل إلا تعنت العقل العربي الذي يطبع مشاعر وعواطف وقرارات سياسيينا، التي تنحاز لأحكام مسبقة، أو استرشادًا بأهواء لا تُعلى المصلحة الوطنية، وهذا القرار هو الذي حدا بأردوغان أن يوجه ـ ما يراه دفاعًا عن كرامته ـ نقدًا للبرلمان الليبي، من خلال المقابلة التي أُجريت معه لاحقًا بقناة «الجزيرة» القطرية، وهو سلوكٌ مقبولٌ في لغة السياسة، ويمثل رأيَ أردوغان الشخصي إذا لم يرفقه بقرار سيادي لتركيا، كأن يرفض الاعتراف بمجلس النواب الليبي، أو يقيد التعاون، أو يضع شروطًا على استقبال أو حركة مواطنينا الذين ضاقت بهم السبل. ولكن التصعيد الذي يمارسه مجلس النواب عبر تصريحات بعض نوابه بأن ما قام به أردوغان رئيس تركيا (العلمانية) بحسب أحد النواب على صفحته الرسمية، وكأنه يوجه لتركيا شتيمة!

إن التطرف الواضح في تفسير ما صرَّح به أردوغان عن مكان انعقاد المجلس يعد استدعاء لعداءات لا مجال لها الآن

إن التطرف الواضح في تفسير ما صرَّح به أردوغان عن مكان انعقاد المجلس يعد استدعاء لعداءات لا مجال لها الآن، فليس في توضيحات الرجل ما يصنف بأنه «تدخلات من قبل تركيا، وعبثية من قبل أردوغان، وإذا تكررت فسيكون لنا موقف تجاه تركيا، التي تتدخل في شؤوننا» كما تم تعليق بعض النواب عليها عبر وسائل الإعلام وصفحات التواصل، ومِن مراقبٍ للأحداث يهمه أمر ليبيا ويعول على مجلس النواب باعتباره القشة التي نتعلق بها لإنقاذ ليبيا، أو التي ستقصم ظهر البعير، فإنني أستجير بالسيد الرئيس وبأعضاء مجلس النواب لأن يتجهوا مباشرة لتنظيم الصف الداخلي، وإرجاء العِداءات الخارجية، وتصنيف مواقف الآخرين على أنها حروب معنا، ونحن مَن يحارب بعضنا البعض بأسلحتهم حتى الآن، بل عليهم أن يعيدوا النظر في مواقفهم وقراراتهم، وأطالبهم وبشدة بتطهير ديوان الرئاسة من التابعين للمؤتمر الوطني الذين يسربون محاضر الاجتماعات ويصولون ويجولون في الردهات ويتصلون ويتواصلون مع الطاعنين وغير المعترفين بشرعية المجلس، كما أرجو منهم أن يُطَعِّموا لجانهم الفنية والاستشارية -إن كان لهم- بخبرات محلية من أكاديميين ومثقفين وخبراء وإعلاميين من الداخل ومن العارفين ببواطن وخفايا الأمور، كما أشير إلى أنه لن يعاب عليهم أن يستشيروا مَن سبقهم من دول العالم بمعايشة هكذا إشكاليات سياسية وعسكرية، وأن يسرعوا الخطى لتشكيل أو إعادة النظر في بعض الوزارات والمكاتب والهيئات، وأن يدعموا هيئة الدستور دون تدخل في عملها، وأن يطمئنوا الليبيين على أنهم ينظرون إلى الأمور من منظار المواطنة والأمن والاستقرار للجميع، وأن يسارعوا إلى تقوية الجيش وإعادة الثقة في الأجهزة الأمنية والشرطية لحفظ الأمن، وتحميل المجالس البلدية لمسؤولياتها وتطهيرها من القوى التي لا تعمل لمصلحة الوطن، وحذارِ من الدولة العميقة، وأعود إلى القول ألا يعبثوا برئه الليبيين الأخيرة التي يتواصلون بها مع العالم، فتحسين العلاقة مع تركيا ليست أمنية ليبية فحسب، بل ضرورة حتمية، لاعتبارات كثيرة ليس مجال رصدها في هذا المقال.