Atwasat

الاستثمارات الخارجية: الفرص الضائعة والفخ المثقوب

محمد المغبوب الثلاثاء 19 ديسمبر 2017, 11:02 صباحا
محمد المغبوب

كان التفكير في الاستثمار الخارجي قبل ضمه في سلة واحدة من أجل الوجود الذكي في بعض دول العالم، وتمويل بعض المشاريع التي تخدم النظام الجماهيري واللعب على حبال السياسة وتمرير بعض المسائل كشراء الأشخاص مهارة في لعبة الغميضة، وهي أمور تمارسها إدارات الدول كلها بنصف عين ويد طويلة كما أنها عملية واضحة المعالم في شقها المالي.

تطور العقل الجماهيري وقرر الدخول في الاستثمار الخارجي في أفريقيا السمراء والسوداء وفي جزء بسيط من أوروبا وآسيا وأمريكا الجنوبية عبر سلة الشركة الليبية للاستثمارات الخارجية برأس مال يخجل من تدني حجمه وبدأت العملية يسري نشاطها في أوردة العالم ببطء شديد بإدارة الثقة والولاء لم يصل حجمها الكلي إلى عشرة مليارات أكثر بقليل أو أقل بكثير.

وقتذاك كانت فرص الاستثمار في العالم شاسعة جدا من زراعة وصناعة وعقارات وسياحة واتصالات ومواصلات وكان برميل النفط يرتفع سعرا ويزداد عددا والشركة فرحة بما لديها من خير وفير وليست مهتمة بما حولها. فشركة الخرافي مثلا كانت استثماراتها بحجم خمسة أضعاف على مستوى عربي ناهيك عن الكويت والسعودية، وهي لا تنظر إلى شركات كبرى عالمية أقلها شركة الداوو أو أي شركة أخرى وحتى حين بدأت شركات الاتصالات كفودا فون مثلا كانت الشركة تشتري شقة في مدينة وتساهم في شركة أخرى بنسبة خمسة في المائة. وهكذا لم تطور من ذاتها وتواكب عصرها ولم تتعظ من انهيار شركات كبرى بمئات المليارات بالرغم من عدم ممارستها أي خطأ سوى أنها لم تعول أبدا على التطوير وعلى الزمن كشركة كوداك.

بعد حين تم سحب الاستثمارات الأفريقية من الشركة الليبية للاستثمارات الخارجية وجعلها كيانا مستقلا. فيما بعد كان التنافس بينها قويا فكلتا الشركتين تملكان مشاريعَ ومساهمات في أكثر من بلاد أفريقية كتونس والسودان والمغرب وتشاد، ثم صارت الأم بنتا بعد تأسيس المؤسسة الليبية للاستثمار وضخ مبالغ مليارية أحسب حتى إداراة المؤسسة لا تعلمها وصارت الإبنة تأخذ تعليماتها من أمها الجديدة.

أخذت الشركة الليبية للاستثمارات الخارجية في المحافظة على أمكنتها ومكانتها أيضا داخل دائرة الزمن الليبي كالمحافظة على المنتج في البراد حين يتم إخراجه بعد سنوات نجد سعره قد قل كثيرا أو أنه قد فقد صلاحيته والأنكى من هذا كله أن التيار الكهربائي قد قُطع عنه مرات ومرات.

ليس غريبا في الأمر أنها أكثر من مرة كانت الشركة تمثل كرمة الحقل الوحيدة وكل العيون عليها بل إن البعض يرى خمرها الحلو في ثمارها التي لا تحتاج عصرا وإلى كأس تشرئب إليها الأعناق من هنا وهناك وهذا أمر طبيعي في ظل أن سرقة مال الحكومة ليس بحرام مع أنه ليس من الفضائل. فالسرقة ذنب في حق الخالق وسيئة لفاعلها في حق المخلوق وهذه إشارة إلى المحاولات العدة في توزيع كراسي الإدارة في طرابلس ومالطا والأردن ولندن، كذلك مجالس الإدارة والجمعيات العمومية والشركات في الخارج على نحو جهوي وقبلي ومكاني. فتشظت الجهود وعلا صوت القرقعة ولا من طحين يُرى.

منذ وقت قليل صرنا نشهد إعادة ترتيب وهيكلة وإدارة موحدة كما يقال بشباب سريع الخطوات كالغزلان وشيوخ يعلمون كيف يختصرون الطريق بمشية السلحفاة، ولست أدري متى يصلون.

الوصول هنا هو إمكانية مضاعفة العدد الواحد إلى أضعاف عدة، والوصول إلى الهدف لا بنظرية أن تصل متأخرا أفضل من أن لا تصل، لأن الزمن صار صاروخا قاهرا، والنقطة الواحدة لها ست زوايا للنظر فالسوق متوحش والحراس كثر والعيون أكثر خلف الجدار ترى، كما أن العيش كأرنب في غابة من نمور يعتبر انتحارا يعاقب عليه الله.

كثير من الفرص ضاعت وغيرها نصبنا لها فخا مثقوبا فلم يعلق فيها إلا قليل من سمك السردين يمكن لنا إذا ما توحدت الجهود وخلصت النوايا استخدامه طعما لصيد ثمين بأن نغربل ما وجدناه ونرمي ما تعفن في البحر ونرصد بعيون زرقاء اليمامة الأسهم التي تطيش هنا وهناك لنضعها في كنانة واحدة تمثل سلاحا قويا نحمي به اقتصادنا الوطني وما يدخل إلى الخزينة العامة، وهو ملك خاص للأجداد والأبناء والأحفاد إلى يوم الدين.

كل الشركات والمحافظ، خاصة في نصف العقد المنصرم وما حدث في العالم من تحولات، يستوجب تخصيص نسبة مئوية من الدخل الوطني ليكون رأسمال الاستثمار الخارجي رديفا لدخل النفط وأن الشركات في الخارج وعبرها أو عبر مساهماتها وشركاتها في الخارج، تمنح الأفضلية في العملية التنموية القادمة من مشاريع عمرانية وصناعية وزراعية والاعتماد على القدرات والعقول والكفاءات بغض النظر عن الجهوية واعتبار المحاصصة محليا والاستفادة من تجارب الآخرين كالتجربة الدنماركية في الاستثمار والسويدية في العمران ومشاركة الأجنبي كذلك الذي له باع طويل في التنمية والتطوير دون إهمال مراكزنا البحثية موصدة الأبواب دونها.

إن التنوع سمة الحياة والمغامرة شقيقة الشجاعة وهذا ما لم نلحظه طيلة عقود مضت وليس بنا عمى إذ ما إن ينضج قرار البدء على حرارة يد المدير حتى تكون الفرصة قد فاتت واغتنمها غيرنا ساخرا منا يضحك في زهوٍ ملحوظ. عند خط النهاية، فقد نفد صيدنا من فخنا المثقوب وعلق في فخه المحكم بعناية فائقة ودراية ماهرة.

أسال هنا:
هل نبدأ أم ننتظر؟ فلا داعي للاستعجال، فلعل يوم القيامة يكون غدا ولتذهب المصيدة والصيد إلى الجحيم؟