Atwasat

صياغة الدستور آفاق الحل ومعوقات العمل

مراجع علي نوح الثلاثاء 10 أكتوبر 2017, 11:01 صباحا
مراجع علي نوح

لا مرية بأن هناك اتفاق بين المختصين على تقدير أهمية صياغة وإقرار الدستور ضمن عملية الانتقال الديمقراطي وعلى إن يتم ذلك وفقاً لاعتبارات وترتيبات تراعي التوافق والوحدة الوطنية، وتمثيل مكونات المجتمع.

انطلقت الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور بأعمالها المناطة بها، يوم 21 /4/2014، وبناءً على ما احتواه الإعلان الدستوري، وما تضمنه قانون (17)، المختص بشأنها ــ ورغم ما انجزته الهيئة، الا إنه يواجه تحديدات الاستدامة، والاستمرار حيث واجهت جبلاً عالياً من المعوقات ليس أقلها الفدرالية، واللامركزية وتفاصيل السلطة التشريعية، والتنفيذية، ودور الدين في السياسة والشريعة في القانون ،وتمكين وتمثيل المرأة وحقوق الانسان ،والاقليات ،والعدالة الانتقالية، والمصالحة الوطنية ،وعودة الليبيين المهجرين في الداخل، والخارج.

كل هذه القضايا عمل مشروع الدستور على حلها ،وايجاد الحلول الناجعة لإنهاء اشكالياتها.

والقول المتكرر من بعض الساسة بأن الهيئة قد تجاوزت وقتها المحدد. قولاً تجاوز حقيقة ما اسند اليها من مهمة صعبة وفي وقت عصيب ،وقد تم تجاوز هذه المدة دستورياً عندما جاء تعديل فبراير للمادة 30 الفقرة 11 . بأن منح للهيئة الوقت البراح وحدد انتهاء مدة مجلس النواب أما بثمانية عشر شهراً ،أو انتهاء الهيئة التأسيسية من إعدادها للدستور.

وبناءً على المقاربة التي تبناها المشروع الدستوري المصوت عليه يوم 29 يوليو الماضي بثلاثة وأربعين عضواً من أربعة وأربعين عضواً أي: بأكثر من ثلثي الاعضاء ،وهو النصاب المنصوص عليه في الاعلان الدستوري.

تبنى المشروع الدستوري نموذج الدولة البسيطة الموحدة مع تحديد خصائص الهيئة التشريعية من خلال غرفتين، كان أكثر مناسبة لتجاوز عديد التحديات ،وفتح أفقاً مناسباً لاستيعاب الطابع التعددي للثورة ،والتيارات التي ساهمت فيها وبالتالي تحقق آلية مشاركة السلطة أكثر اتساعا ً مع عدم تجاهل الاعتبارات الاخرى التي تعزز النظام الرئاسي، فالأوضاع الحالية في ليبيا تحتاج إلى نظام يجمع بين استقرار ومرونة النظام السياسي، كما تحتاج الي رئيس قوي يكون مركزاً لسلطة تنفيذية مسؤولة يمكن محاسبتها عبر رئيس منتخب مباشرة . ان ما نجم عن الثورة من تشرذم على كل المستويات هو التهديد الأخطر على المشهد الليبي.

ثم جاء الحكم المحلي مستجيبًا للدراسات الحديثة المقارنة التي هي اليوم اكثر اعترافاً بدور الحكم المحلي، في تأهيل المواطنين لمشاركة أكثر فاعلية في صنع القرارات، التي تؤثر في حياتهم وتمكنهم من تسخير معارفهم، وخبراتهم، وقدراتهم بما يحقق تطوير التنمية المحلية، وتحقيق هدف التنمية المستدامة خاصة عندما يكون ذلك في إطار اللامركزية الموسعة. تلك هي الدروس التي تم استخلاصها من تجارب كانت ماثلة امام الأعضاء المؤيدين للمشروع ليس أقلها (اوغندا، وجنوب افريقيا) حيث كان الحكم المحلي لا مركزي نموذجا ً فاعلاً في تحقيق الوحدة الوطنية، والمصالحة.

مع إيلاء باق القضايا المطروحة أهمية بالغة كالحقوق والحريات، وبناء الهيئات المستقلة، واستقلال السلطة القضائية، وتنظيم استغلال الثروات الطبيعية وحقوق المناطق المنتجة لها وضمان تنميتها، وإدراج المسؤولية الاجتماعية في إطارها.

وبصورة عامة للمشروع رؤية تنموية واستراتيجية تمثل تمهيداً حقيقياً لمرحلة الانتقال الديمقراطي ،وبناء المجتمع والدولة الحديثة.

قدم مبعوث الامم المتحدة لدى ليبيا غسان سلامة خارطة طريق ،حازت على تأييد من مجتمع الدولي وخاصة الفاعلين الدوليين كالولايات المتحدة، وفرنسا وغيرهما.

السؤال الذي يطرح نفسه هل هذه الخارطة فعلاً ستقدم حلاً عاجلاً وناجعاً للأزمة الليبية؟

يعرف الجميع بأن الهيئة التأسيسية توصلت إلى مشروع دستور، هذا المشروع نال الثقة من اكثر من ثلثي الاعضاء، وبشكل أخر نال ثقة أكثر من ثلثي الشعب الليبي من خلال ممثليهم في الهيئة. هذا المشروع يقدم عصارة الحل، ونتاج العصف الذهني من جدال، ونقاش، وتداول عميق استمر لا كثر من ثلاث سنوات سواء بين الأعضاء، أو من خلال الاستئناس بالآراء عن طريق لقاءات قام بها اعضاء الهيئة في إطار التواصل مع منظمات المجتمع المدني، والمواطنين وسبر توجهاتهم، والتعاون مع مراكز البحوث كمركز البحوث والاستشارات جامعة بنغازي، وجامعة طرابلس، والمجلس الأعلى للقضاء، والمحكمة العليا وغيرها من المؤسسات.

إذاً ما قدم هو نتاج عمل مضني واستقرأ دقيق لمتطلبات الليبيين من خلال حلول وسطية قدمها المشروع الدستوري.

الشاهد ما قدمه المبعوث الاممي من خلال المرحلة الثانية لا سيما فكرة انشأ مؤتمر وطني، اتوقع سيكون عائقاً حقيقياً في حال تجاوز مهام هذا المؤتمر مبدأ التشاور، وطرح الآراء، أما تخوفنا من فكرة المؤتمر الوطني يأتي من خلال الصورة العامة للبلد والمجتمع والضعف الذي يعانيه وخاصة فيما يتعلق بالحوار، والقبول بالأخر، وثقافة الديمقراطية. ويمكن توقع عدم تمكن المؤتمر القيام بخطوات ذات أهمية حتى فيما يخص اختيار السلطة التنفيذية نتيجة التشرذم والانقسام، وتباين التوجهات السياسية، والحزبية وتلك القائمة في الغالب على الولاءات الشخصية والجهوية.

وبما أن الهيئة منتخبة من الشعب إذاً مجرد التدخل، وفرض آراء عليها هو في حد ذاته تدخل في إرادة الشعب الذي اختار اعضاء الهيئة كممثلين له من أجل الوصول إلى دستور يعبر عن أرائه وتحقيق تطلعاته.

في الوقت الذي توصلت فيه الهيئة إلى مشروع دستور قدُم إلى مجلس النواب؛ لكي يعمل على إعداد قانون الاستفتاء؛ إلا ان عدم الاعتراف من بعض الدرجات القضائية بالسلطة التأسيسية للهيئة، ووضعها في إطار الهيئة العامة، جعلها عرضة للطعون المتكررة، والتي لن تتوقف مادام هذه القناعة لن تتغير .فالقضاء الإداري المقارن بمصر مثلاً وليس حصراً، قُدم له 42 طعنًا في الجمعية التأسيسية المصرية المعينة، وليست منتخبة من الشعب المصري، إلا إن القضاء رفضها شكلاً فضلاً عن الموضوع، وذهب نفس المذهب القضاء التونسي وهو ما تعارف عليه فقهياً، وقضائياً، وهذا ما أكدته المحكمة العليا الليبية في حكمها الصادر يوم 4/5/1954.

ولكي تخرج ليبيا من هذا المأزق، يتوجب على المجتمع الدولي ــ المتمثل في الامم المتحدة ــ دعم خطة غسان سلامة مع حذف، والالغاء من المرحلة الثانية المحور الخاص بأنشاء مؤتمر وطني من رزنامة الخطة، ودعم لجنة الحوار وتسهيل التوصل إلى توافق حقيقي بين الأطراف، والضغط على مجلس النواب لضرورة الالتئام وإصدار قراراته في جو من الحرية والديمقراطية، وبما إن المصالحة الوطنية مطلب أساسي لانتقال وتوحيد البلاد دعم جهودها وترسيخها بالضمانات الدولية والاقليمية. دعم مؤسسة الجيش المتمثلة في الجيش الوطني نتيجة ما توصل إليه من خطوات مهمة وقيامها على التراتبية والهيكلية العسكرية والسعي الجاد إلى توحيدها والقضاء على الأجسام الموازية من المليشيات المسلحة.

وفي الختام يجب عدم الاعتماد على سياسات اللحظة، وردة الفعل لآن ذلك يمثل تهديداً حقيقياً، لمرحلة الانتقال الديمقراطي وبناء المجتمع والدولة الحديثة.

* عضو الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور