Atwasat

توهان!

صالح الحاراتي الأربعاء 20 سبتمبر 2017, 08:52 صباحا
صالح الحاراتي

هي الحالة التى يقول عنها علماء النفس أنها الحالة التي يشعر فيها الإنسان وكأنه ليس جزءاً من هذا العالم، بل ويرى الأحداث أمامه وكأنه يشاهد فيلماً تجري أحداثه دون أن يستطيع أن يغير منها شيئآ أو يتفاعل إيجابيا مع الأحداث الجارية!.

وأكاد أجزم بأن التوهان هو سيد الموقف في واقعنا اليوم.

"التائه" كالمريض الذي بالحمى يهذي، أوكالذي استفاق من مخدر بعد عملية جراحية. أنه يشابه حال الغاطس تحت سطح الماء يرى الناس تتحرك وتتحدث، ولكنه لا يسمعهم.

التائه ربما ينتبه إلى أشياء محددة وقليلة وافقها ضيق، ولا يعير أدنى انتباه إلى ما يحيط به. ولكن لا استجابة تصدر عنه، أو تبدر منه باتجاه غيره من الناس

التائه ربما ينتبه إلى أشياء محددة وقليلة وافقها ضيق، ولا يعير أدنى انتباه إلى ما يحيط به. ولكن لا استجابة تصدر عنه، أو تبدر منه باتجاه غيره من الناس، ووجودهم لا تأثير له فيما هو فيه من حالة.

ذلك ما يقال عن التوهان والشرود العقلى والنفسى على المستوى الفردى. ولكن انتشار الحالة واستفحالها؛ يؤدي إلى انطباق الأعراض على المجتمع بأسره!!؟. ويصبح مجتمعا منقادا بالشعارات والعواطف يُجر إلى عالم القرون الوسطى وهو فى حالة ذهول وموقف سلبي بلا حراك.

فى خضم هذا الواقع البائس يسعدنى أن أجد أحيانا من يتحدث لينبهنا من غفلتنا، ومن يكتب ليشير إلى جوانب مهمة قد نتغافل عنها أو نتجاهلها في خضم ركضنا اليومي والانهماك في اليومى والمعتاد في حياتنا... بل وهناك من يقدم لنا أفكارا تثير فينا التساؤل والانتباه إلى قضايا تغطيها غشاوة الأحداث اليومية المتلاحقة؛ وتذكرنا بأهمية تحديد الأولويات في كل وقت، والإشارة إلى بعض الإيجابيات الموجودة التي قد تساهم في إيقاظ التائهين، رغم نظرة سوداوية تقول أن السائد هو أن هناك من يكتب "المثير" وﻻ يكتب "المهم"؟.

هناك قطعا إيجابيات دون أن نُعيِرها اهتمامًا، ونتعامل معها بنهج الأمر المُعتاد دون أن نوظفها للخروج من حالة التوهان أو في تحسين نظرتنا إلى أنفسنا، أو نُحسن استغلالها في تعميق مفهوم الإيجابية في حياتنا والذي ينعكس على تعزيز الشعور والتصالح مع الذات والمرونة في التعامل، ولكن تلك الإيجابيات القليلة غطتها قيم الغل والكراهية والتشفى والانتقام التي يكتظ بها واقعنا وموروثنا الثقافي.. وعمقتها سنين القهر سابقا ومن بعدها غذتها الفاشية الدينية الحاكمة منذ 2011 التي شجعت على الحرب الأهلية وثقافة الكراهية ومفهوم الغلبة والإقصاء.

توهان اليوم يجعلنا نقضي الكثير من الوقت والجهد وتتلف أعصابنا وتصرف مجهوداتنا من أجل قضايا وهميّة وخاسرة.

ماذا لو فكرنا اليوم في مدى تعرقلنا بالكثير من التفاهات عن الانشغال بالقضايا الأساسية، قضايا نهوض الإنسان وسعادته وتقدمه. توهان اليوم يجعلنا نقضي الكثير من الوقت والجهد وتتلف أعصابنا وتصرف مجهوداتنا من أجل قضايا وهميّة وخاسرة.

هناك أسئلة ضرورية وواجبة.. منها اليوم نحن في حاجة إلى طرح سؤال التخلف بشكل مستمر وبجذرية وبإصرار. فالتخلف هو محضن البؤس البشري وبؤرة انكسار الإنسان وفقده لقيمته، لأننا لا نزال نعتقد بكل مكابرة أننا أفضل وخير الأمم رغم كل ما يعبر به واقعنا من فشل وانحدار. ليس في الإقرار بواقعنا انتقاص منا بقدر ما هو قدرة جبّارة على الاعتراف بالواقع كخطوة أولى وأساسية لمقاومته وتغييره.
بالتأكيد هناك شيء إيجابى ولو كان مغمورا تحت ركام المآسي لعل أبرزها أننا تعرفنا على حقيقتنا وانكشافنا على ذواتنا وقد تم فرز حقيقة الكثير من الشعارات الجوفاء والكثير ممن تصدروا المشهد. واتضحت عوراتهم وكشف الغطاء والقناع عن حقيقتهم.. نعم ذلك أمر إيجابى!؟.

ولكن يبقى أن تعلمنا التجربة المريرة مع تجار الدين أن ليس كل ما يلمع ذهبا وأن أمرهم ليس سوى شعارات فضفاضة لدغدغة الوجدان.. وليس لديهم برنامج تنموي حقيقي يخرجنا من وهدة التخلف.

أمر مهم للخروج من حالة التوهان هو أن نعيد تقييم نظرتنا لأنفسنا والتطلع إلى الأمام بأمل وتفاؤل. رغم أن بعضنا غارق في بحار السلبية، ناقم على مجتمعه، ولا يرى في واقعه ما يدعو إلى التَّفاؤل.

لنحاول ونحاول البحث عن سبيل يخرجنا من حالة التوهان من خلال شيء إيجابي لدينا يستحق الاحتفاء.