Atwasat

الحوار خيار وحيد الآن

صفوان المسوري الأربعاء 21 يونيو 2017, 05:14 مساء
صفوان المسوري

بالنظر إلى حالة تنازع الشرعية التي تطغى على كل المؤسسات التشريعية والتنفيذية والسيادية الآن وما يرافق ذلك من استقطابات حادة على الصعيد السياسي والاجتماعي وحتى العسكري، يدرك فوراً أهمية الوفاق السياسي، كما يدرك أيضاً ضرورة التعجيل به في أقرب الآجال.

في فترات ما بعد الصراعات الكبرى والثورات والحروب الأهلية يفضل أن يكون عنوان المرحلة هو التوافق، حيث الثقة المتبادلة تكون في أدنى مستوياتها بين فئات المجتمع ونخبه وقادة الحراك السياسي فيه. ولعل هذا ما يحدث تحديداً في ليبيا، إذ إن كل طرف ينظر بعين ملؤها الريبة والشك إلى الأطراف الأخرى، ويخشى من تمددها مخافة تحوله إلى ضحية أو هامش أو مبعد، الأمر الذي يجعل هذا الطرف يقوم بكل شيء في سبيل منع الآخر من التمدد والانتشار.

وفي الحقيقة، وفي مجتمع لم توفر له أسس الانصهار الوطني والعيش اتكاء على قيم المواطنة، يتم اللجوء إلى الحيزات الضيقة أو الأوطان البديلة كالقبيلة والقرية والمدينة؛ الأمر الذي يؤخر من نهوض الدولة بمفهومها الواسع. وفي هذه الظروف الرديئة تتعاظم مشاعر مختلطة داخل الوجدان المجتمعي سيئة في مجملها، كالإحساس بالحرمان والتهميش وعدم تكافؤ الفرص وانعدام الأفق فتلجأ المجتمعات الصغرى لكسب ما يمكن كسبه عن طريق ابتزاز الدولة المنهكة أصلاً، وهذا ما يفسر عشوائية تدشين بعض المشاريع التي نراها الآن في بعض المدن وتجمعات القبائل المتنفذة وكذلك قرارات التعيين والإيفاد وفتح الاعتمادات، إذ إن كل ذلك يتم خارج التخطيط السليم الذي يضع في اعتباره أولويات عدة، ليس أقلها ما يمر به اقتصاد الدولة من مراحل شبه انهيار.

الآن يمكن القول ببعض الثقة إن المكونات السابقة يمكنها من الجلوس على طاولة حوار لإنتاج مشروع وطني يعنى بإزالة معوقات قيام الدولة

الآن وفي هذا الفترة التي أنهك فيها الجميع، ثمة فرصة حقيقية لخلق حوار فاعل يؤتي أكله بسرعة، شريطة أن يكون هناك تمثيل رئيسي للقوى الفاعلة على الأرض والتي يمكن حصرها في بعض القوى الاجتماعية والقبلية المؤثرة، والقوى العسكرية من غير الجماعات المصنفة دولياً كجماعات إرهابية، وبعض الأحزاب السياسية والشخصيات الوطنية، وكذلك المعتدلين من أنصار النظام السابق المؤمنين بلييبيا القادمة كوطن يسع الجميع.

الآن يمكن القول ببعض الثقة إن المكونات السابقة يمكنها من الجلوس على طاولة حوار لإنتاج مشروع وطني يعنى بإزالة معوقات قيام الدولة، مع مراعاة أن يكون جلوسهم دون مواقف مسبقة، تاركين وراء ظهورهم تموضعاتهم القديمة التي أطالت من سنوات العبث والتيه في هذا البلد.

من المهم جدًا توطين الصراع الليبي الآن من جديد، والتقليل من حجم التدخل الإقليمي والدولي في ليبيا، ولعل قدوم المبعوث الجديد يصلح أن يؤسس معه وعن طريقه شراكة ناضجة مع دول الإقليم، شراكة ترتكز على استشعار الخط الرفيع الفاصل بين المصالح المتبادلة وانتهاك السيادة والعبث في البلد من الداخل.