Atwasat

انفراد وهمي!؟

صالح الحاراتي الخميس 08 يونيو 2017, 11:01 صباحا
صالح الحاراتي

كما يمرض الإنسان فردا تمرض المجتمعات؛ ويتبدى ذلك في أعراض شتى؛ سياسية واقتصادية واجتماعية، ونشير هنا إلى أحد ظواهر وأعراض الأمراض السياسية الذي كشفت عنه الأيام، وهو الاعتقاد الواهم والظن الآثم لدى قوى سياسية في مجتمع ما بتصورهم أنهم يمارسون السياسة في بيئة خالية من المخالفين وممهدة أمامهم ولا يحتاج أمر الاستحواذ إلا القليل من الجهد والمكر والخبث و "البلعطة"، بمعنى توهم قبول الناس لما يظنون ويعتقدون من أنه لا توجد قوى أخرى لها مصالحها الاجتماعية والثقافية والمادية، فاعلة ومؤثرة في الأحداث غير أنفسهم أو تيارهم. ذلك هو الوهم الذى عاشه "الإسلامنجية" عندما وصلوا سدة الحكم فى عدة أقطارعربية بعد ما سمي بالربيع العربى.

نقول "وهم" لأنه ومن خلال الممارسة ظهرت قوى أخرى مناوئة فى المشهد وبدأت في منافستهم والوقوف في وجه مصالحهم وخياراتهم وخططهم وأفكارهم، من أجل تحقيق مصالح أخرى ربما تناقض مصالحهم، فما كان من القوى"الإسلامنجية" إلا الاضطراب والهياج والصراخ والعويل منددين، وأطلقوا ألسنتهم وجيوشهم الإلكترونية بالمؤامرة!. وساد التخوين والتكفير!.

لا بديل أمام الجميع إلا النهج السلمي لإدارة هذا الصراع بصورة سلمية تُجنب الوطن كوارث لا تحمد عقباها

الأمر ليس جديدا على كل حال، وهو يتكرر مع كل من استحوذ على السلطة، ففي بداية فبراير 2011 قالها النظام السابق ورددها أعوانه حتى الآن. إنها المؤامرة، وبعد ذلك حدث هذا عندما ظهر الأخوان وباقى "الإسلامنجية" على السطح وظنوا أن الأمر استقر لهم.. ظهر أنصار الدولة المدنية وقالوا هناك مؤامرة لتمكين الأخوان. إنها المؤامرة، وعندما خسر "الإسلامنجية" فى انتخابات مجلس النواب لم يتم تسليم السلطة بأعذار واهية وكانت هجمة فجر ليبيا وقالوا إنها المؤامرة!؟. وعندما تم إقرار الاتفاق السياسي قال المعارضون (وهم خليط بين إسلامنجية وغيرهم من أصحاب المصالح الشخصية) توحد هتافهم أيضا. إنها المؤامرة!؟.

وفي ظني أن الحقيقة التي يجب ألا تغيب عن تفكيرنا هي أن (من في السلطة) دائما يلجأ لذلك لأنه كان يظن أنه اللاعب الوحيد المتفرد في المشهد. ولكن دائما تأتي الصدمة ويتبين أنه لا يوجد فراغ في عالم السياسة وأن العمل السياسي لا يمارس في الفراغ ولكن في بيئة مليئة بالقوى السياسية الفاعلة المتنافسة والمتصارعة التي تمثل قوى اجتماعية لها مصالحها وتطلعتها، فلا يجد من فى السلطة إلا استدعاء نظرية المؤامرة وشيطنة الخصم وتخوينه.

ولهذا إذا أردنا سلما أهليا واستقرارا سياسيا وأراد الفاعلون السياسيون تجنيب البلاد حالة الاحتقان والغليان والانقسام التي تعيشها الآن، أن يدركوا جميعا أنهم ليسوا وحدهم وأنهم لا يمارسون السياسة في الفراغ وأن هناك فاعلين آخرين، ولا بديل أمام الجميع إلا النهج السلمي لإدارة هذا الصراع بصورة سلمية تُجنب الوطن كوارث لا تحمد عقباها.

ولذا فمن المنطق أن نقر جميعا أنه وفي ذلك المسار السلمي تتبدى فلسفة الوفاق وقبول الآخر حيث لا مفر لتجنب الصراع الدموي إلا بالجلوس إلى طاولة الحوار. وعلى كل طرف أن يعرض ما يراه ويتم تفعيل/ تعديل/ وتطوير الاتفاق السياسي من أجل تجاوز هذه المرحلة الصعبة.