Atwasat

"الإخوان الليبيون" وسرير بروكست

نورالدين خليفة النمر الأحد 19 فبراير 2017, 09:20 صباحا
نورالدين خليفة النمر

فكرة تسيير العالم كما تُسيّر الأحياء الكوزموبوليتية الأميركية، نهج سياسي سلكه في تصنيف المجتمعات الإسلامية الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، وتحذو حذوه، وإن بمعتقدية إكراهية مغايرة، إدارة الرئيس دونالد ترُمب، فسلوكات التصنيف الملائمة لتهافت المجتمعيات واصطناعها، تبدو متقاربة وراء إصدار متوقع لقرار يصنّف جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية أجنبية، والدافع الذي رصده المنتقدون هو: إيجاد مبرر قانوني لإيقاف الجمعيات الخيرية الإسلامية والمساجد والجماعات، ومنها جماعة الإخوان المسلمين، في الولايات المتحدة، حيث يعني تصنيفها كمنظمة إرهابية- في التقرير المترجم من قناة 218 عن النيويورك تايمز- تجميد الأصول البنكية والتضييق في منح تأشيرات الدخول، ومنع التعاملات المالية. وهو ما دفع توم مالينوسكي ، السكرتير السابق للرئيس أوباما إلى وصم القرار بإثارة نزاع مع طابور خامس متوهم من المسلمين في الولايات المتحدة.

إذا تحوّل مشروع القانون الواصم للإخوان بالإرهاب إلى قرار فإنه يكون قد استهدف أكبر الشبكات الاجتماعية الإسلامية

اتهام الإخوان المسلمين بالتغلغل الهدّام، زرعت بذوره تصريحات أدلى بها النائب الجمهوري لوي غوميرت،عام 2013بخضوع إدارة أوباما لاختراقاتهم ومنها عرقلة التحقيقات في تفجيرات بوسطن ذلك العام. هذا السبب يبدو صريحاً في وصف السيناتور الجمهوري والمرشح الرئاسي السابق تيد كروز لمشروعه باستصدار هذا القانون بأنه: تسمية العدو باسمه الحقيقي وإلزام وزارة الخارجية الأميركية بتقديم تقرير علمي إلى الكونغرس يُظهر مدى انطباق المعايير المنفّذة بشأن تنظيمات مصنفة بالإرهاب، كحزب الله اللبناني، وأنصار الشريعة، وحركة حماس الفلسطينية على جماعة الإخوان المسلمين لإدراجها ضمن الشبكات الإرهابية.

إذا تحوّل مشروع القانون الواصم للإخوان بالإرهاب إلى قرار، فإنه يكون قد استهدف أكبر الشبكات الاجتماعية الإسلامية، وأقدمها في أميركا، بل، حسب هيومن رايتس ووتش، أقدم الجماعات الإسلامية وأكثرها نفوذا في مجتمعيات وسياسات الشرق الأوسط، التي ترّتب وجودها بشكل ما في عملية تداول السلطة في الأردن، والمغرب، وأخذ سمات الحركة القومية غير المتصادمة مع الموروث العلماني للدولة في تركيا، وتقاسم السلطة مع مغايريه بالانخراط في العلمنة كتوجه ثقافي عام للمجتمع في تونس، بل أكسبت المرجعية الدينية للإخوان إمارة قطر الصغيرة في الخليج دور الدولة المحورية المنافسة للسعودية المهيمن فيها المذهب الوهابي المتشدد والتي صنّفت هي ومصر حسب حجج غوميرت الجماعة كتنظيم إرهابي.

سيزعزع قرار الحظر الأميركي الإخوان المسلمين كتنظيم سياسي ناشيء في ليبيا وُضعت دواليبه على السكة التي سيرها يتذبذب ويتعسّر كسير غيره من المكوّنات السياسية المصطنعة في ليبيا الثورية بعد عام 2011، فالجماعة التي أُقحمت للتو لحسابات إقليمية ودولية طارئة في صفقة مع النظام الدكتاتوري لإعادة تدويره، وجدت نفسها بعد إسقاطه بالثورة الشعبية تُقحم من جديد في سرير بروكست الثورات، بعد أن فقدت أطرافاً من صدقيتها لتلائم سرير بروكست الدكتاتوريات.

فالإخوان المسلمون الذين لم يستطيعوا منافسة المفتي الذي نسج مبكراً شبكته النافذة في السلطة الدينية التي تنضوي تحتها اليوم فصائل مسلحة ومتطرفة، كمجلس شورى ثوار بنغازي ودرنة، استطاعوا منذ 2012 ممارسة نفوذهم الملحوظ في مواقع أخرى هامّة كالمجالس المحلّية المنتخبة والمُرّسمة في بنغازي وطرابلس وبعض الجهات الأخرى، كما استطاعوا أن يسرّبوا ممثلين لهم أقوياء في الأجهزة الأمنية الجديدة التي أنشئت بعد سقوط النظام السابق، أبرزها اللجنة الأمنية العليا التي تأسست في سبتمبر 2011 بطرابلس، كما قاد أعضاء في الجماعة كتائب ثوّار ككتيبة 17 فبراير في بنغازي التي ظهرت في الأسابيع الأولى من الثورة والتي انبثق منها اتحاد كتائب الثوّار والاثنان ائتلافان تقودهما شخصيات من الطيف الإسلامي الذي يجمع مابين الإخوان ووسط الجماعة الليبية المقاتلة، وبعد أحداث عنف فجر ليبيا انضوت في هذه الأجسام جماعات محلية أخرى، مما يصعب وصفها بالجناح العسكري للإخوان المسلمين لافتقاد التجانس في بنيتها وشغل بعض القادة مناصب عليا في الحكومات المؤقتة.

القيادي في جماعة الإخوان، الذي ساعد، بحكم موقعه في المجلس الوطني الانتقالي، في تكوين اللجنة الأمنية العليا، والذي سيكون في خريف عام 2014 أحد مروجيّ أحداث العنف الدموي فيما عُرف بعملية "قسورة" إحدى عمليات فجر ليبيا، يكتب في موقع قناة الجزيرة بتاريخ 2017/2/12 مقالاً يصف فيه بيان التأسيس لما عرّف بالحرس الوطني بالخطوة التي جاءت في وقت الحاجة إليها، وأن إمكاناته البشرية والعسكرية الهائلة، والمصداقية التي أعطتها إياه تجاربه السابقة، والشرعية الميدانية التي يحظى بها بين الثوار ومنتسبي المؤسسة العسكرية في الغرب الليبي، وإعلانه الصريح بإبتعاده عن التجاذبات السياسية، تجعل من شرعيته القانونية مسألة في حكم المحسومة.

سيزعزع قرار الحظر الأميركي الإخوان المسلمين كتنظيم سياسي ناشيء في ليبيا

بينما، وبالعكس من ذلك، البيان الصادر عن وزارة الخارجيّة الأميركيّة، الجمعة 10 /2/ 2017 يشير إلى أنّ دخول آليات عسكرية تتبع تنظيماً يدّعي أنه الحرس الوطني الليبي، مدينة طرابلس، وانتشارها يمكن أن يتسبب في تفاقم زعزعة استقرار الوضع الأمني الهشّ أصلاً في العاصمة، مضيفاً أنّ على ليبيا أن تعمل على بناء قوة عسكرية وطنية موحدة تحت قيادة مدنية تكون قادرة على توفير الأمن لجميع الليبيين ومكافحة الجماعات الإرهابية.

في مؤتمره الصحفي بتاريخ 16 فبراير 2017 أوضح الرئيس ترُمب، أنه سيتخذ الإجراءات اللازمة لمواجهة "الإرهاب الراديكالي الإسلامي"مضيفاً أن إدارته "ورثت" العديد من المشكلات من الإدارة الماضية التي وصفها بـ"الفوضى".هل يتضمن وصف الفوضى فرز إدارة أوباما-كلينتون بروفيل لإسلام معتدل روّجت له جماعة الإخوان المسلمين من الصورة القاتمة والمتطرّفة التي هو عليها.