Atwasat

تغييب المواطن قبل وبعد

نور الدين السيد الثلثي الأربعاء 08 فبراير 2017, 10:31 صباحا
نور الدين السيد الثلثي

بدأت انتفاضة فبراير باحتجاجات سلمية في بنغازي يوم 15 فبراير 2011، وتطوّرت إلى مواجهات مسلحة مع قوات الأمن، ومن ثَمّ إلى التهديد باجتياح بنغازي، وما تلاه من تحوّل الانتفاضة السلمية إلى مواجهة مسلحة وعنف وتدخل عسكري أجنبيٍ مباشر. وتشكّلت جماعات تجمع السلاح، ويأتيها من الخارج الدعم والسلاح، تستقطِب وتدرِّب وتنظّم، بالتوازي مع اندفاعها نحو الجبهات. وظهر نذيرٌ بما هو آت عندما قامت إحدى تلك الجماعات باغتيال رئيس أركان الجيش اللواء عبدالفتاح يونس ورفاقه والتمثيل بجثته يوم 28 يوليو 2011، وهو النذير الذي لم يعطه المجلس الانتقالي الوزنَ الذي يستحق.

أما في الشوارع والساحات فقد غابت عن البسطاء دلالاتُ الحدث وما يجري التحضير له. وبانت الصورة واضحةً فيما بعد حين تلاحقت الاغتيالات ونبْـش القبور وظهَر التشدّد والإرهاب المنظم، وتبيّن افتقاد النظام الجديد وسلطته العليا للإرادة السياسية لبناء الجيش وأجهزة الأمن والعدل؛ لبناء الدولة.

ما جرى في ليبيا بعد فبراير 2011 كان النقيض لما حلُم به الليبيون من عدل وحرّية وكرامة ومساواة في الفرص وتوزيع منصف للخيرات

كانت تنظيمات من تيار الإسلام السياسي قد انخرطت قبل فبراير ببضع سنوات في مصالحة مع النظام ووريثِه المرتقَب، تُوّجت بما عُرف بالمراجعات. وعلى الساحة الدولية كان التوجّه أخذ منحى يقبل بوصول التيار الإسلامي المعتدل إلى الحكم في منطقتنا العربية كسبيل لمواجهة التطرف والإرهاب. انفتح الطريق أمام وصول الإسلام السياسي إلى الحكم في مصر وتونس، وإن أُخرِج من المشهد السياسي في مصر لاحقاً واضطُرّ إلى التراجع في تونس. أما في سورية وليبيا فقد استمرّ العمل على تمكين الإسلام السياسي المعتدل من الحكم بمثابرة وبتمويل وتسليح ودعم سياسيٍ وإعلامي من دول تدور في فلك سادتها؛ كانت قطر في مقدمتها. ولكي يوصف شيءٌ بالاعتدال، لا بدّ -تعريفاً- من وجود تطرّف. وبالتدريج ظهرت الصورة كاملةً بشِـقّـيها المعتدل والمتطرف.

في سورية تمّ تدمير الوطن المشترك وبُنيته المادية ونسيجه الاجتماعي، والعملُ جارٍ على تقسيمه ونهش أشلائه. لقد تُرك ذلك للسوريين أنفسهم والمرتزقة والمغامرين من كل أنحاء العالم وللتمويل والتسهيل الإقليميّين؛ عربيٍّ تركي. أما في ليبيا فقد بدأ بحملة أطلسية جويّة استمرّت سبعة أشهر بغرض معلَن هو حمايةُ المدنيين تطبيقاً لقرار مجلس الأمن 1973. لقد سهّلت الحملة الأطلسية ومهّدت لتقدّم الثوار وكانت العنصر الأساس في إسقاط النظام، ودمّرت في طريقها بُنيةَ الدفاع الوطني الليبية بقواعدها ومراكز قيادتها وآلياتها وطيرانها وحتى أسطولها البحري. وجرى التأجيج بادّعاءات وجود مرتزقة أفارقة وضرب للمدنيين بالطائرات وروايات أخرى مخترَعة أو مبالغ فيها. ولم تكن حماية المدنيين إلا ذريعةً لتحقيق مصالح تظهر في السعي المحموم من ذات الدول لتثبيت حلفائها في سدّة الحكم، وإن في صيغة تقاسم للسلطة.

ما جرى في ليبيا بعد فبراير 2011 كان النقيض لما حلُم به الليبيون من عدل وحرّية وكرامة ومساواة في الفرص وتوزيع منصف للخيرات. انزلقت البلاد بعد فبراير إلى اقتتال من أجل الاستحواذ على الحكم، وتسابق محموم لجمع الغنائم، ونهب فاضح للمال العام. وفي سبيل وضع اليد على الثروة ومَقابض السلطة، كان التنافس محموماً على إرضاء الأجنبي. أُسقِطت أوصاف العمالة والخيانة من القاموس السياسي، وأصبح الاصطفاف مع الأجنبي أداة من أدوات التنافس المقبول (عادي). ازداد الظلم والمعاناة ألواناً وأضعافاً، وأصبح المواطن فقيراً بائساً، ولم يبق من الثورة غيرُ صراخ الساعين إلى الحكم بحجّة أنهم الثوار.

لقد بانت في هذه السنوات حقائق، وانقشعت حجب، وظهرت معالم خديعة أسّست لها أطماع أجنبية، وموّلتها وسهّلت لها أياد وأموال عربية وإقليمية، وصنع مقدِّماتها نظام ظالم استأثر بالسلطة وأخرج المواطن من دائرة الشراكة في وطنه والدفاع عنه، وكان الوطن ضحيتَها. وتبقى الصورة الكاملة غائبة.