Atwasat

ضفدعان ... والثورة في زمن الفيس بوك

علي جماعه علي الثلاثاء 07 فبراير 2017, 02:59 مساء
علي جماعه علي

ربما في قصة الضفدعين آية وعبرة. رُمي بأحدهما في ماء يفور فقفز منه على الفور و نجا، أما الثاني فوُضع في ماء فاتر تم تسخينه بالتدريج فكان كلما شعر بالدفء تلذذ وارتخى وفترت عزيمته ووهن إلى أن فاجأته لحظة الغليان القاتلة فما استقوى الواهن على النهوض، فما بالك القفز.

في تاريخنا المعاصر، جرى على السلطة العربية الشمولية ما جرى للضفدعين. عندما كانت السلطة تواجه تحديات أمنية (ساخنة) فورية كالمحاولات الانقلابية مثلا، كانت استجابة السلطة خاطفة وحاسمة، فكان الضفدع- الحاكم يقفز متوثبا متحفزا يتحدى التهديد الفوري المباغت، وكان في الغالب ينجح في القضاء على محاولة الانقلاب بضربها في مهدها.

ثورة المعلومات والاتصالات وباقي منتجات العولمة أحدثت تسخينا بطيئا تحت الحاكم-الضفدع، فنقلت قدرا كبيرا من قوة المعرفة والمعلومة وأدوات الاتصال إلى أعداد متزايدة في الشارع. فبينما كان الحاكم المتكيء على قوته التقليدية القامعة يتلذذ وينتشي بقصائد المديح ووثائق المبايعة وفائض الريع النفطي أو المعونة الأجنبية، كان التسخين يسري تحت ماء سلطته حتى وصلت درجة الحرارة ذروتها القاتلة بخروج الناس إلى الشارع بالملايين مطالبة بإسقاط النظام، فانتهى الأمر بالحاكم إما هاربا أو مسجونا بتدبير أو متورطا في مواجهة خاسرة.

التسخين التدريجي الذى قضى على الحاكم-الضفدع هو حركة الوعي الشعبي (ليس النخبوي فقط) التي عززها ظهور البث الفضائي والإنترنت ومدها بقوة عملياتية ظهور أدوات غير مألوفة للتنظيم والاتصال (البريد الإلكتروني، الهواتف المحمولة، والفيس بوك إلخ).

الإنترنت كذلك سهل دخول لاعب جديد ورشيق على خط المواجهة بين السلطة الشمولية والجماهير هو الفيسبوك

في عصر ما قبل ثورة المعلومات والاتصالات، تمكن الحاكم من احتواء الوعي الشعبي بوضع يده على محطة التلفزيون الأرضي والراديو الأرضي والصحيفة الورقية الأرضية. كان منها يذاع وينشر بيان الانقلاب ومنها يتم غسيل الأدمغة الإيديولوجي وإضفاء القداسة على الحاكم وشيطنة معارضيه وتخوينهم.

بالأخص، وإجمالا، كان التلفزيون الأرضي الأوحد تحت سيطرة الحاكم الأوحد لبث الخطاب الأوحد وشرعنة حزب الحاكم الأوحد الذي لا يقبل ولا يتعايش ولا يتسامح مع خطابات مغايرة أو معارضة. مثلما كانت الصحيفة الورقية تخرج من مطابع تحت سيطرة السلطة ورقابتها لترويج شعارات وأوهام السلطة. بظهور البث الفضائي، خسر الحاكم احتكاره لساحره الأثير(محطة التلفزيون الأرضي) فما كان منه إلا محاولة تجميل ما أفسده دهر العولمة بشراء ولاء أو على الأقل صمت سحرة ليسوا تحت سيطرته المباشرة (القنوات الفضائية العابرة للحدود).

بفضل الانترنت تمكن الشارع من امتلاك أداة كفؤة للنشر والبحث والاتصال والتنظيم حيث انخفضت وفي الغالب انعدمت تكلفة النشر الواسع وضعفت قدرة السلطة الحاكمة على الرقابة التي كانت، غالبا، رقابة أرضية كمنع وصول صحيفة أو كتاب أو تشويش على إذاعة.

الإنترنت كذلك سهل دخول لاعب جديد ورشيق على خط المواجهة بين السلطة الشمولية والجماهير، هو الفيسبوك الذى تسمح طريقة تصميمه بالتماهي التام مع ثقافة عصر السرعة حيث أتاح للمستخدم فرصة النشر المفتوح بالصور والفيديو والتعليق الفوري والمشاركة الواسعة وتكوين المجموعات العلنية والسرية.

أضحى الفيس بوك مقرا لحركة المعارضة الشبابية اليافعة الحالمة لجيل محروم من المشاركة السياسية ومحبط وغاضب ويفتقد الأمل في إمكانية التغيير السلمي للأفضل. وجد الشباب في الفيس بوك مدينته الفاضلة التي تتيح له أن يعبر عن نفسه بدون قيود مدراء تحرير وسائل إعلام السلطة وصار بإمكانه إيصال صوته إلى آخرين خارج مجال صداقته الأرضية المحدودة.

ظهور الفيس بوك زاد من وتيرة التسخين تحت الحاكم-الضفدع وأوصلها بوجود مواد مساعدة للاشتعال (البطالة، المحسوبية، القمع.. إلخ) إلى لحظة الاشتعال الثوري العنيف التي قضت على "يابس" استبداد الحكام وفي بعض الحالات أتت حتى على بعض من "ربيع" أحلام الشباب في دولة التعددية والحرية والتنوع الحضاري.

* ناشط سياسي ليبي - الولايات المتحدة