Atwasat

الاتفاق السياسي هو الحل!

صالح الحاراتي السبت 21 يناير 2017, 08:18 مساء
صالح الحاراتي

ليس خافيًا على أحد أنه وبفعل التضييق على الحريات والقمع وتضاؤل مساحة المشاركة في العمل السياسي في مجتمعنا من خلال مؤسسات راسخة خلال عقود مضت؛ أورثنا حالة من العوز في الممارسة السياسية وفرز القيادات السياسية باستثناء ذلك النموذج الذي أنتجته «الجمهرة»!! وتزامن ذلك عند بداية التغيير في 2011 مع بروز ما يسمى بالإسلام السياسي كقوة فاعلة، واستطاع مريدوه أن يسيطروا على مفاصل الدولة بعد انهيار النظام وتفتت أجهزة الدولة أو على الأقل انكفائها.. وعلل البعض ذلك الأمر بـ«المؤامرة» وأرجعه غيرهم إلى أنه الكيان المميز الذي يعمل (تحت الأرض) والذي كان ضمن مكون ما سمي بـ«ليبيا الغد» وعندما سمحت الظروف للظهور كان جاهزًا!

ونمضي بعدها إلى القول بأن التغيير الذي حدث ترافق مع عامل خارجي داعم تمثل في رؤية دولية تقول إن القبول والسماح للإسلام السياسي «المعتدل !!» بالوصول للسلطة من شأنه أن يكون سدًا قويًا ضد التطرف الإسلامي المتمثل بالتيارات المتشددة الرافضة لقيم الحداثة والديمقراطية.

وهنا يجدر بنا أن نقر بأن التغيير فعلاً تقاطع مع مصالح دولية وإقليمية ساهمت في حدوثه. رأينا ذلك جليًا متمثلاً في دعم إعلامي وسياسي وعسكري واضح «إقليمى ودولي».

الخلاصة أنه ﻻح في مشهدنا السياسي تجيير ما حدث لصالح تحالف «إخوان ومقاتلة» الذي لا يرى المشهد إلا من زاوية الإقصاء والاستحواذ والتمكين

الخلاصة أنه ﻻح في مشهدنا السياسي تجيير ما حدث لصالح تحالف «إخوان ومقاتلة» الذي لا يرى المشهد إلا من زاوية الإقصاء والاستحواذ والتمكين. فسادت رؤية التخوين وعدم الثقة.. المحصلة أن سنين عجافا مضت على ذلك التغيير ولم يكن للأفضل بل للأسوأ. ووصل بنا الأمر إلى شكل من الحكم الميليشاوي ودولة المدن.. ﻻ نريد التحدث عن «الهلت واللهط» والفساد المالي.. وﻻ عن الدماء التي سفكت.. وﻻ عن المخلصين البسطاء الذين قدموا أرواحهم بنوايا صادقة عليهم الرحمة والرضوان.. وﻻ عن التدليس والكذب تحت شعار القداسة والثورية. المهم الآن ومع دخول العامل الجهوي أصبح الصراع كبيرًا ووصل إلى أشده وتراوح بين اﻻقتتال والمكر والخديعة السياسية. وتجاوزًا نشير إلى أن معظمهم «وﻻ أريد التعميم وأقول كلهم» يتطاحنون ويتكالبون بلا أخلاق وﻻ دين حول المال والسلطة!

هذا الحال برأيي ليس بالضرورة مؤامرة كما هو شائع،ولكن ما حدث في 2011 أراه باعتباره انتهاء صلاحية حاكم، وما الدعم الذي حصل عليه «الإخوان» من قوى إقليمية ودولية ليس إلا امتطاء لذلك التوجه؛ حيث فقد النظام كل حلفائه.. وكان الدعم الإقليمي والدولي ربما اقتضته الضرورة «باعتبار الإخوانجية الكيان المنظم على الساحة»، ولا شك أنه لتحقيق ما تراه تلك الدول يصب في مصالحها «أظن من المنطقي أن يبحثوا عن مصالحهم». وكما يقال المؤامرة لا تفلح إلا بوجود طرف داخلي!

على أرض الواقع وبعد زمن قصير من التغيير الذي وصف بالربيع العربي تبين أن الإسلام السياسي الموصوف بالمعتدل هو قول زور وبهتان! حيث الشواهد الواقعية تقول إن الأمر هو صراع على السلطة والمال وإنهم ما دخلوا بلدا إلا وتشبثوا بتلابيب السلطة وأقصوا غيرهم وجلبوا الشقاق ودمروا النسيج الوطني وتستروا على الإرهاب ودعموه كما في العراق وسورية واليمن وليبيا.

وقد أدى تباين وضبابية الرؤى التي يحملها كل فصيل من جماعات الإسلام السياسي إضافة إلى أحادية الفسطاطين الاستراتيجية (الكفر والإيمان) لديهم جميعًا إلى تشرذم الرؤية إزاء طبيعة بناء الدولة ودورها وكيفية التعامل مع الواقع خارج مدونة السلف التاريخية الفقهية التي يعتقدون بصلاحيتها، وترتب على ذلك، كما رأينا، ضعفًا في الأداء وتشبثا بمفهوم (التمكين) وانفلاتًا في الشارع وعجزعن فهم نسبية الديمقراطية، وفضلوا المواجهة والاستحواذ بديلاً عن الحوار، وكانت النتيجة مشاهدات نراها أمام أعيننا في كل دول «الخريف» العربي.

أذهب إلى الإقرار بأن هناك آخرين في مجتمعنا ممن شارك في خلق مناخ التشرذم وغياب روح التسامح

 

ومن باب (اعدلوا هو أقرب للتقوى) أذهب إلى الإقرار بأن هناك آخرين في مجتمعنا ممن شارك في خلق مناخ التشرذم وغياب روح التسامح وقبول الآخر وهي أطراف وتيارات قبلية وجهوية وربما جازت تسميتهم بـ«تيار مدني ناشئ» يتسق ويتفق في تبني نفس العقلية وطريقة التفكير- عقلية الغنيمة والغلبة.

لقد حدث ما حدث في بلادنا استنساخًا لما يجري في المنطقة، ولكن وبعد تخبط دام سنوات، لاحت بوادر للتعقل والخروج من مأزق الصراع الدامي والحرب الأهلية؛ إذ إن كل الحروب لا بد أن تنتهى بالجلوس إلى مائدة الحوار، وكان الحوار الليبي برعاية دولية، الذي تواصل لأكثر من سنة حتى وصل إلى مخرجات تبدت في الاتفاق السياسي الليبي بالصخيرات، وكان المأمول أن القناعة لدى الجميع أصبح مفادها أن ليبيا لن يحكمها فرد أو قبيلة أو مدينة أو جماعة معينة.. وأن ذلك صار أمرًا بديهيًا وواقعًا أيضًا بعد أن عجز أي طرف عن الحسم بالسلاح.

كل طرف لا زال متوهمًا أن بإمكانه الاستحواذ والسيطرة المطلقة على السلطة خاصة من الأطراف المتغولة على مفاصل الدولة

ولكن وبعد وقت قصير تبين أن كل طرف لا زال متوهمًا أن بإمكانه الاستحواذ والسيطرة المطلقة على السلطة خاصة من الأطراف المتغولة على مفاصل الدولة (الإخوان والمقاتلة وغيرهم) التي تعرف أن لا شعبية لها ولذلك لن تترك ما هو تحت يدها بسهولة! حتى وإن جاؤوا للوفاق فإنهم جاؤوا بضغط المجتمع الدولي وليس إيمانًا بتداول السلطة وثقافة المشاركة بل جاؤوا على أمل أن يحققوا بالخداع السياسي ما لم يستطيعوا تحقيقه بالحرب!

وعلى الضفة الأخرى ظهر «الجهويون»، «ومن خرج من المولد بلا حمص» تحت شعارات براقة من دعم الجيش والحرص على السيادة.. إلخ. كان حالهم مرتبكًا ومشوشًا وتوالدت أطياف من تحالفات متناقضة تحت مسمى الحوار «الليبي - ليبي» واستحدثت أشكال ورموز وأحلام ومسميات تصب في نفس اتجاه النكوص وعرقلة الاتفاق.

لا لوم على من يحلم بـ«البطل المخلص»
وأظنه تعبيرًا عن التشبت بالأمل للخلاص من الفاشية الدينية والإرهاب.
ولا حرج على من يحلم «بالإبرة الصينية» ومناصرو النظام السابق.. فالحال بائس ويمكنهم من استعارة الماضي للتدليل على أنهم الأفضل!

لا يجب أن نبقى في الدائرة المفرغة بين خيارات الحكم العسكري أو تحت الفاشية الدينية أو العودة لنقطة الصفر

ولكن.. ولأجل مغادرة هذه المحطة البائسة في تاريخ الوطن، لا يجب أن نبقى في الدائرة المفرغة بين خيارات الحكم العسكري أو تحت الفاشية الدينية أو العودة لنقطة الصفر، أو المزيد من تشظي الوطن.
ولا جدوى على الإطلاق أن يتم تبادل المراكز بين خيارين أحلاهما مر. كما أن العودة للمربع صفر أمر مخيب ومضيعة للوقت والأرواح.. وليس من الحكمة أن نبدأ من الصفر عند كل مختنق أو صعاب في الطريق، ولا يجب أن نيأس.

«الاتفاق السياسي» بنقائصه هو الحل الممكن وليس المثالي والذي لا مناص منه مهما طال الزمن ومهما أضعنا من وقت وأرواح ومقدرات.. هو منتج بشري قطعًا به نقائص؛ خاصة أنه أنجز بعد حروب طاحنة ومدمرة.

واليوم ولأن الحسم لطرف معين أراه شبه مستحيل.. فعلى (ما يسمى بالتيار المدني) أن تتكاتف جهوده حتى يعود ممثلوه لبؤرة اتخاد القرار لتتوازن معادلة التوافق وتبدأ الخطوة الأولى في مسافة الـ1000 ميل لبناء «دولة». ويبقى الاتفاق السياسي هو الحل حتى تاريخه وينشر في الجريدة الرسمية.