Atwasat

الجوارب البيضاء

نجوى بن شتوان الثلاثاء 04 أكتوبر 2016, 12:52 مساء
نجوى بن شتوان

(١)
في صيف عام 2010 قبل الميلاد، وفي بلدتنا التي يطيب لنا تسميتها مدينة، ألقت عائلة بقر الله، القبض على لص منازل، وكانت العائلة في ذلك الحين تتألف من الأب والأم والجدة والدة الأب وهي عجوز شديدة المراس، صعبة العريكة، يستحيل أن تتحدث معها دون أن تقرصك كلماتها في ناحية ما، بالإضافة لذكر وحيد صغير، من البين أنه سيكون نسخة عن جدته ووالده لاحتكارهما تربيته وفقاً لبرنامج إعداد صارم، يتجه إلى كونه النسخة الوحيدة الواجب الحفاظ عليها من الإنقراض وسط عائلة مأهولة إلى أنفها بالبنات.

لا شك أن العائلة بقبضها على اللص أضافت إليها فرداً مذكراً من خارجها، سيصبح منتمياً إليها طيلة فترة احتجازه. كان الأب بقر الله الكبير رجلاً مقطباعلى الدوام، لم يره أحد يبتسم، حتى ولا جيرانه الذين كبر بينهم، يقولون بأنه ولد عابساً، قليل الكلام، مالم يطرأ سوء فهم يحوله إلى كائن شرس اللسان، ولعل الجيران فهموا عريكته تلك منذ أول خلاف معه، استمرت تأثيراته لسنوات على الحي، فصاروا يجتنبون إثارة مكره حفاظاً على أنفسهم.

عليهن سرعة الزواج وفتح بيوت وإن كان المجتمع لا يشكو من قلة النسمة

ليس الجيران فحسب من يقولون ذلك عن بقر الله، إذ أن زوجته هي الأخرى لا تتوقف عن التصريح بأنه يتجنب الحديث مع أي امرأة عدا والدته، لأنه يزدري جنس النساء ويشعر بأن الحديث معها وإن كانت زوجته ينزل من قدره ويحط من مستواه العقلي كرجل في المقام الأول و في المقام الثاني كأول سائق سيارة أجرة في البلدة، اشتهر بالرجولة وقوة العزم، فيما تتطلبه القيادة من فنون قتالية على طرقاتنا، وما أدراكم ما الطرقات إن لم تعيشوا هنا معنا وتفهموا كنه ازدراء بقر الله للنساء والتفوق الجنسي الذي يشعر به جنسه، حيث كل مفاجاءات الدنيا يمكن أن تطلع للمرء فجأة في الطريق وتختفي الطريق! قد تطلع ناقة بفصيلها أو سيارة اسعاف ليس بها ضوء، قطيع أغنام يقطع الطريق، انفلات وادٍ تعبأ بمياه الأمطار، حفر من جميع المقاسات، طريق أخرى تقطع الطريق ولا يعرف المرء غايتها مالم يسير منها، عربات النصف نقل التي ينام سائقوها و تواصل سيرها وحدها بنفس الوتيرة، علب وكراتين فارغة وأكياس تقتلعها الريح من أماكن بعيدة وتمضي بها إلى ماشاء الله، ثم قطاع الطرق الذين يظهرون في هيئة رثة لمواطنين فقراء يحتاجون التوصيل، وجمل هارب من السودان لم يقرر التوقف عن الجري ما لم يميز فرقاً بين بلاده وبلادنا، وبعض هواة السفاري ممن يقتلون ملل الطرق بالسياقة برجل واحدة وأداء حركات بهلوانية من النافذة بالرجل الثانية.

بقر الله الكبير رجل صاغته أعوام من القيادة في تلك الظروف، على وقع راديو البيجو 404 ذهاباً إياباً، و الذي لا يبث إلا لإذاعة الجماهيرية العظمى وصوت اللجان الثورية، متشبثاً بالبث مهما وقعت السيارة في حفرة وخرجت من أخرى.

تعودت زوجة بقر الله أن يتعامل معها بقر الله من خلال هاتي، خذي، اجلبي ، اسكتي. ومن خلال الانجاب فقط، وهو لغة بديلة عن الحنان والمصالحة في كل مرة يحدث منها عصيان مدني له ويضربها حتى يحمل وجهها وجسدها نسخة ثلاثية الأبعاد من يديه مدعومة بأية تربوية من القرآن تحث على ضرب الزوجات. ستحصل على تلك الصفعات لمجرد أنها طلبت ثياباً جديدة وناقشت اعتراضه وتقتيره عليها!

ماتنفك الزوجة تذكر بأن زوجها مقطب وعابس، حتى في خلوتهما و حتى عندما يبصق على الراديو ويشتم الرؤى الثورية المنبعثة منه، وكما لا تخفي الزوجة تلك الحقيقة على جاراتها، أي البصق والتقطيب، يخفي الجيران عنها استغرابهم من قدرته على انجاب ذلك العدد من الكائنات وهو عابس، لكنهم لا يصارحونها بهواجسهم ويكتفون بتخيل العلاقة بينهما، كل حسب قدرته على التوقع، وهذا منشأ آخر للأقاصيص في الحي. لذلك اعتاد الناس على أن من يروي مخيلته عن الرجل العابس وزوجته إنما يروي حقيقة اجتهد في التفكير فيها واستخلاص نتائجها.

كانت زوجة بقر الله تتحاشى غضبه، كرجل تقليدي لم يعد منه إلا نسخ قليلة على سطح الأرض، تتكاثر هنا وهناك في الظلام والرطوبة دون أن ينتبه لها أحد إلا بعد أن تطل بنشاطها.

إن بقر الله لا يحب ارسال بناته للمدرسة لتعلم القراءة والكتابة، رغم مجانية التعليم، فنظريته بالنسبة لهن واحدة، إن تعلمن سوف يستطعن كتابة رسائل حب للرجال، وهذا ما لن يسمح به وسيمنع حدوثه حتى في غيابه على الطرقات، إنه يغلق طريقاً للشر يريد الشيطان النفاذ منها لبناته، لذا عليهن سرعة الزواج وفتح بيوت وإن كان المجتمع لا يشكو من قلة النسمة، تلك مشيئة الله في النهاية، أن تأتيه البنات وأن يزوجهن خدمة للمجتمع وتستمر إذاعة اللجان الثورية في بث الأغاني الحماسية ضد عدو خلقته وجهة نظرها. قد يكون العدو هناك أي شيء، طريق مثلاً، وليس بالضرورة إنساناً تستهدفه رسائل حب!