Atwasat

التدخل الدبلوماسي هل ينقذ ليبيا؟

إبراهيم الدباشي السبت 10 سبتمبر 2016, 02:25 مساء
إبراهيم الدباشي

قد يبدو مصطلح التدخل الدبلوماسي غريبًا وغير متداول، ولكن المتابع عن قرب للشأن الليبي لابد أن يدرك أن تدخل المجتمع الدولي في ليبيا لا يندرج في إطار المبادرات التقليدية التي تعتمد على الوساطة لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء بهدف الوصول إلى حل يقبله الجميع.

فالأمم المتحدة لم تركز على جمع كل الأطراف الفاعلة، ولم تحترم قواعد الديمقراطية من خلال تعزيز المؤسسات المنتخبة، واتجهت إلى خلق هيكل سمته لجنة الحوار ضم فئات مختلفة من الأفراد دون أن يكون للكثيرين منهم أي ثقل أو تأثير على ما يجري على الأرض، وبعضهم عاشوا عدة عقود وما زالوا يعيشون وعائلاتهم في البلدان التي يحملون جنسياتها.

وأوكلت الأمم المتحدة إلى هذا الجسم المُخْتَرَع مهمة إعداد اتفاق سياسي يعالج الجوانب المختلفة للأزمة الليبية، واستمر الحوار بين أعضائه لما يزيد على سنة، وتمخض عن مشروع اتفاق فيه الكثير من النصوص المتضاربة، ومع ذلك لم يكن هناك بديل له، واضطر أغلب المشاركين في الحوار إلى توقيعه على أمل أن يكون النهاية لمعاناة الليبيين، وذلك كان أمل أغلب الليبيين. غير أن التعديلات التي أدخلت على الاتفاق السياسي في اللحظات الأخيرة من جانب بعثة الأمم المتحدة خلقت انقسامًا كبيرًا حول اعتماد الاتفاق وتنفيذه، وبرز هذا الانقسام بوضوح داخل مجلس النواب وأدى إلى شلله.

الأمم المتحدة وبدعم من دول كبرى، انتقلت إلى العمل على فرض الاتفاق مهما كانت الظروف، وأوقفت التعامل مع الحكومة المعترف بها دوليًا، وأعلنت من خلال مجلس الأمن أن حكومة الوفاق الوطني هي الحكومة الشرعية الوحيدة لليبيا، ولكن الحكومة المذكورة لم تشكل ولم تعتمد من مجلس النواب، وما نتج عن الاتفاق السياسي ليس سوى رئاسة الحكومة التي تحتاج إلى حكومة معتمدة من مجلس النواب لتكون حكومة حقيقية وليس مجرد رأس دون جسم. كما أنها تحتاج إلى تضمين الاتفاق السياسي في الإعلان الدستوري لكي تنتقل إليها السلطات التنفيذية من مجلس النواب.

لم تحاول الأمم المتحدة أن تتعب نفسها في لم شمل مجلس النواب وضمان إجماع أعضاء المجلس الرئاسي من خلال البحث عن صيغة مقبولة للمواد الجدلية في مشروع الاتفاق السياسي، وأصرت على المضي قدمًا في فرض حكومة لم تولد بعد، وهذا ما سميته بالتدخل الدبلوماسي، فهو محاولة لفرض حل دون الالتفات إلى مخالفته نصوصًا دستورية وقانونية، ومن ثم يصبح هذا التدخل انتهاكًا صريحًا للسيادة الليبية، وإن كان المبرر نبيلاً وهو توحيد الليبيين وراء حكومة واحدة وإنهاء أزمة البلاد.

كان من الممكن أن يستمر تدخل المجتمع الدولي في ليبيا كنوع من أنواع الوساطة التي تقوم بها الأمم المتحدة لحل النزاعات، غير أن امتناع مجلس النواب عن منح الثقة لحكومة الوفاق المقترحة، وعدم تمكن مجلس النواب من ممارسة أعماله بصورة طبيعية، أدى إلى ظهور التدخل الدبلوماسي كشكل جديد من أشكال التدخل التي لا بد منها عندما تنسد آفاق الحل بالطرق القانونية والدستورية، وخاصة في بلد تشكل أوضاعه تهديدًا أمنيًا خطيرًا لدول كبرى.

التدخل الدبلوماسي الحالي في ليبيا هو جهد تقوم به الأمم المتحدة بدعم من دول كبرى من أجل فرض حل ترى أنه لا يوجد بديل غيره للخروج من حالة النزاع وجمود العملية السياسية، ولكن هل ينجح هذا التدخل في تحقيق ما لم يحققه الحوار؟ فذاك أمر يعتمد على الليبيين وبالدرجة الأولى على أعضاء المجلس الرئاسي، الذين يمكن أن يغيروا هذا التدخل من مجرد انتهاك للسيادة الليبية إلى لبنة في جدار الوحدة الوطنية، وخطوة ضرورية لتحقيق حل دائم للأزمة الليبية، إذا عملوا كفريق واحد واتخذوا قراراتهم بالإجماع، وسعوا إلى الحصول على الدعم الداخلي لتشكيل الحكومة وتعديل الإعلان الدستوري. أما إذا اعتبروا أن الدعم الدولي هو نهاية المطاف، وهو كل ما يحتاجون، وأن قرارات مجلس الأمن فوق الدستور الليبي، وأن رأي الليبيين الذين ما زالوا يعارضون حكومة الوفاق لا قيمة له، فإنهم حتمًا سيقودون البلاد إلى مزيد من المعاناة وسيتحول المجلس الرئاسي إلى مجرد دمية في يد الدول الكبرى توجهها حيث تشاء.