Atwasat

الحياة مصالح!

صالح الحاراتي الأحد 31 يوليو 2016, 11:01 صباحا
صالح الحاراتي

ولا مصلحة له فى الأمر!؟. عبارة يرددها البعض فى تجاوز صريح لمسألة أراها طبيعية.. وأظنه كلاما يمثل جزءا من منظومة كلام فضفاض تغول حتى أصبح هو السائد! ولا أظن أن لهذا الكلام جوهرا ومعنى حقيقىا وواقعيا يقفز إلى الأذهان بمجرد نطقنا تلك الكلمات؟ ولا مضمونا محددا يتبادر لعقولنا بمجرد أن نلوك تلك الكلمات؟ لسبب بسيط وهو ( لا شيء فى الحياة يخرج عن منظومة المصالح المادية أو العقلية).

كل الكلمات الرنانة والشعارات تساهم فى كوننا واهمين نعيش فى عالم المثال والخيال. ولا نعترف بما هو واقع وطبيعى في الحياة لتكون النتيجة أننا نتكلم بما لا نعمل و نقول ما لا نفعل فيلحق بنا المقت من الله ومن الناس.
حين نقول مثلا : رجل صالح أو عمل صالح. ما هو معيارنا الذى نقيس به ونحكم بأن ذاك صالح وآخر طالح؟ و يتبعه تساؤل.عمل صالح لمن؟ هل هو للفرد نفسه أم جماعته أم للمجتمع الذى يعيش فيه، وفي كل الأحوال، أليس الصلاح يعنى جلب منفعة أو مصلحة مادية أو عقلية له أو للجماعة البشرية التى يعيش معها وينتمى إليها؟. وإذا كان الأمر كذلك، أي جلب المصلحة، فلماذا نلوم من نسميهم أهل المصالح ولا تستريح إليهم نفوسنا؟

ما هى الشعرة الفاصلة حتى ﻻ يتبادر للفهم أننا نعني أهل الغاية تبرر الوسيلة.

فالمقصود هم الذين يتعاملون مع الحياة بشكل واقعي لتحقيق منافع لهم، بينما نعيش نحن فى عالم من المثاليات الوهمية التي لا نكل ولا نمل من استحضارها فى كل وقت وحين… بينما الحقيقي والطبيعي عقلا أن كل كائن يسعى لتحقيق مصلحته ومنفعته.

البرجماتية مصطلح ملتبس ومنبوذ و لكن الهروب من فهمه يقودنا إلى الإغراق في المثالية.

البرجماتية غالباً صفة مذمومة عند الناس وعند أهل "الكتابة والسياسة" حين يتحاورون ويتلاسنون، باعتبارها محاولة الانتصار وتحقيق الهدف بأي وسيلة ولو كانت تخالف ما يؤمن به الإنسان من قيم ومبادىء تحت شعار الميكيافيلية "الغاية تبرر الوسيلة".

قرأت أن "آرثر لوفجوي" مؤسس علم تاريخ الأفكار" نجح فى عام 1908

في تجميع ثلاثة عشر معنى مختلفاً للبراغماتية، بل ودلل على أن بعضها يضاد البعض الآخر، حيث تعرّف بأنها طريقة حل المشاكل والقضايا بواسطة وسائل عملية ، وتعرّف بأنها مذهب فلسفي سياسي يعتبر نجاح العمل هو المعيار الوحيد للحقيقة، وتعرّف بمقولة "الغاية تبرر الوسيلة" وتعرّف بأنها "خيار الواقعية" إلخ.

البرجماتية الممقوتة في ظني هي عندما يكون "الهدف نبيلا والوسيلة وضيعة"، وهي أبرز مايميز الانتهازية السياسية "الميكيافيلية" حيث الجمع بين نقيضين، استناداً لمفهوم محدد، هو تحقيق المصالح الخاصة، سواء بفرد أوجماعة، حيث يتلوث الهدف النبيل بالوسيلة الفاسدة. أي كما يقال "اللى تغلب بيه العب بيه".

الجميع فى المشهد السياسي الليبى يتعاملون بذلك المنهج وكلهم يدعون مصلحة الوطن!

وغالبهم يدعي أنه لا مصلحة له فى الأمر.

فى ظنى أن أبرز نموذج لذلك المنهج فى التعامل هم الذين يستخدمون عبارات دينية فضفاضة عن العدل والحرية والدولة المدنية والديمقراطية وينتهجون وسائل خبيثة لتحقيق حلمهم باﻻستيلاء على السلطة بما يسمونه (التمكين)... ولذلك يصفهم مخالفوهم بأنهم برجماتيون بامتياز. والمقصود هنا هو البرجماتية الميكافيلية قطعا حيث يقعون في تناقضات كثيرة، وفاضحة ﻷن المصلحة متغيرة ومطلقات الدين ثابتة. فيكون مصيرهم عدم "الاتساق" و"التفكير السوي". بحيث ينطبق عليهم القول الذى مفاده أنهم يتلاعبون بـ "دين الإسلام" خدمة لـ "دين البرجماتية"، فيتشكك الناس في الإسلام وتهتز صورته في القلوب والعقول، ويفقدون مصداقيتهم فيلجأون إلى تبرير مواقفهم المتغيرة المتذبذبة ويستدلون على تخبطهم بفقه الاستضعاف واﻻبتلاء حتى إذا واتتهم الفرصة وبما يملكون من فائض لغوى ﻻ يستخدمونه لإنتاج نصوص إبداعية وحلول مبتكرة ولكن يستعملونه وبكثافة لافتة فى ذم الآخر المختلف لتحقيق المنافع والمصالح الشخصية لجماعتهم.

نعم الحياة مصالح ومنافع متبادلة؛ ولكن هل نعرف ما يترتب على هذ القول؟. هل نحن مستعدون للقبول بأن الآخر له مصلحة ورؤية يجب علينا احترامها كما نقدر ونحترم وندافع عن رؤيتنا ومصالحنا...؟
أم أن النظرة أحادية الجانب هي السائدة؟

من المؤكد أن الحياة تحركها المصالح، بل هناك من يدعي أن هامش المباديء والقيم يبقى في آخر سلم الأولويات، إﻻ إذا تزامنت وترافقت المصالح والمباديء صدفة..
يقول عالم الاجتماع علي الوردي:
"إن الإنسان لا يطلب الحق من أجل الحق ذاته، فالحق سلاح يستخدمه الإنسان في حاجاته أكثر مما هو هدف مطلق يقصده لذاته. وحين يتنازع الناس حول حق من الحقوق إنما هم ينشدون به مصالحهم الخاصة. فإذا تناقض الحق مع المصلحة كانت المصلحة أولى بالاتباع. والإنسان حين يسعى وراء مصلحته الخاصة يغطي سعيه ببرقع من الحجج المثالية ليدعم بها موقفه".

ﻻ بأس إن تقاطعت مصالحنا بمصلحة الدول الكبرى يوما ما إذا تبين أن مصالحهم مع حرية الشعوب ودعم حقوق الإنسان ومحاربة الإرهاب ولكن.. ﻻ يجب أن نغفل عن التعامل الواقعي الذى يؤكد بأن هناك ما ﻻ يجب أن نتجاهله- المصالح اﻻقتصادية للدول الكبرى ورؤيتهم الجيواستراتيجية للمنطقة - هو الذى يحرك ويحكم تفاعلهم مع اأحداث وﻻ علاقة للمباديء في السياسة الدولية إﻻ همسات عابرة لذر الرماد فى العيون.