Atwasat

لا أراه.. أرسمه وأبتسم

د. مها المطردي الأربعاء 11 مايو 2016, 11:08 صباحا
د. مها المطردي

لا أحد ينكر أن الليل طويل بما يكفي وحدتنا وأننا فيه نُقلّب الأفكار التي في العقول والديون التي في القلوب.. ففي القلب دفتر ديون منها ما سقط بالتقادم ومنها ما يؤرقنا تحت بند" الحنين".. ديوننا هي صفحات في دفاتر رحلة عمرنا التي نُقلّبها ليلا فنجدها لم تشطب من ذاكرتنا لغاية الآن.

مستحقات تلاحقنا مع قليل من الضعف والاستسلام في كل لقاء لرؤوسنا مع الوسادة حتى يستقبل الصباح خيوط الشمس ليوم جديد فنحلق فيه فوق أحلامنا ونقاوم بشراسة لنبطل كل المحاولات للسقوط في قاع الحزن.

في أول الدفتر ترسو سنين العمر الأولى وفي منتصف الدفتر نسجل كل خسائرنا في صحراء الروح وفي آخر الدفتر نحاول أن نشطب كل قبح من حياتنا، كل كلمة جارحة أوجعتنا كل خيانة بحثنا لها عن مبرر كل قسوة أبدلناها بلمسة حنان وفضّلنا أن نستعيدها. هي تصفية حساب أو ممحاة للسنين.

في إحدى الليالي الطويلة- الطويلة جدا- سألت نفسي: ماذا سيحدث لو توقفتُ عن الشوق والحنين، ماذا سيحدث إن توقفت عن الحلم، ماذا سيحدث لو أني توقفت عن الهمس لمن أحبهم وقررت أن أنسى كل التفاصيل التي عشتها معهم أو هكذا قررت أن ألقي بجميع صورهم التي ترتجف أصابعي لملامستها ومنحت لنفسي فرصة واحدة ليوم واحد ألا ألتفت فيه إلى الخلف وأعطيت لخطواتي الأمر أن تمشي إلى الأمام.

ماذا سيحدث لو أني شعرت باليأس وقطعت الأمل وأدمنت الهزيمة والفرار من كل تلك الذكريات وخلعت زر الذاكرة وملّت روحي من الترقب والتربص والانتظار.

عندها فقط- فقط عندها- أصررت على السؤال هل يا ترى سيقدر قلبي أن يتوقف عن استحضار من سكنوا فيه كل تلك السنين ويتوقف لساني عن الهمس لهم وعيني عن الشوق وجوارحي عن الاستجداء والترجي وروحي عن إيقاظ الأمل.

كانت كلها أسئلة دون علامة استفهام ولن أضع علامة استفهام، لأني وبكل بساطة لا أستطيع. لن أستطيع أن أوقف قلبي عن الحنين ولن أستطيع أن أنسى أي تفاصيل عشتها معهم. لن يكون لعيني سوى الشوق لرؤيتهم كل يوم.. لن أكون سوى ما أنا عليه ولن تستطيع القسوة أن تسكنني. سأراهم وألمسهم بقلبي، سأتعامل معهم بقلبي وسأربت على حزني وأسامح أخطاءهم" من كل قلبي".

وعندما يأتي" الله" للسماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل ليستجيب لدعوات عباده لن يكون هناك غيرهم يسرق تلك اللحظات. وسيظلون تلك الأمنية التي أخفيها في دعائي عند ساعة الغروب وتلك" الحاجة" التي أتمتم بها بين الآذان والإقامة وبعد كل صلاة.

سأظل أحلم بعودتهم كما أشاء ولا تعنيني المسافات ولا القيود وسألعق دموعي وأنا أبتسم ولن أستسلم لواقع يهزمني. فلي حلم لا كون يسعه ولا الخيال بكاف ليحويه. فأنا خُلقت لأكون مُحبة حد الجنون وعاشقة حد الهذيان ولن أسمح للصباح أن يأتي بدونهم ولن يطل مساء إلا وهم معي. فهم خيوط نور وُلدت مني وستعود لنصحو على فجر جديد.

وبشعر المُلهم مانع سعيد العتيبة أشدو:
فَرَضَ الحبيب ُ دَلالَهُ وتَمَنَّعَا وَأَبَى بغيرِ عذابِنَا أَنْ يَقْنعا
ما حيلتي وأنا المكبّلُ بالهوى ناديته فأصَرَّ ألاّ يسمعا
وعجبتُ من قلبٍ يرقُّ لظالمٍ ويُطيقُ رغمَ إبائِهِ أنْ يَخْضَعَا
فأجابَ قلبي لا تَلُمني فالهوى قَدَرٌ وليس بأمرِنَا أَنْ يُرْفَعَا
والظلمُ في شَرْعِ الحبيبِ عدالةٌ مهما جَفَا كنتَ المُحِبَّ المُولَعَا.