Atwasat

ليبيا وتونس آفاق التعاون ومعوقات التكامل

فوزي عمار الإثنين 02 مايو 2016, 10:19 صباحا
فوزي عمار

جرى الحديث في ليبيا منذ إعلان التحرير حتى اليوم عن السياسة والدين، في غياب كامل للحديث عن الاقتصاد الذي يعتبر أحد أسباب ودوافع قيام ثورة فبراير.

وترى الحكومات المتعاقبة أن الحديث عن الاقتصاد سابق لأوانه في ظل وضع أمني متدهور، متناسية أن حل المشاكل الاقتصادية سينعكس إيجابيا في استقرار الأمن لأنه سيحقق ارتفاع الدخل، ويصنع أملا لدى حامل السلاح، ويعطي إشارة واضحة مطمئنة لا تخطئها العين للشركات الأجنبية سواء كانت مقاولات أو خدمات أو شركات استثمارية، ولكن السؤال الأهم الآن هو ما هو شكل الاقتصاد الليبي في المرحلة القادمة ؟ هل يبقى اقتصاد اشتراكي، أم اقتصاد حر، أم اقتصاد مختلط ؟ و هل نبقي على الاقتصاد الريعي أم نتحول إلى اقتصاد معرفي ؟ وما هي الآليات التي يفترض وضعها لتحديث الاقتصاد، ومن يقرع الجرس ويقدم مشاريع قوانين وقرارات للسلطة التشريعية والتنفيذية؟ مساهمتي البسيطة القادمة مع العديد من النشطاء في المنظمة الليبية للتنافسية الاقتصادية و تطوير القطاع الخاص ستكون من خلال إطلاق مبادرة صناعة الثروة بدلا عن توزيع الثروة الذي دأب النظام السابق الحديث على اعتماده، فتوزيع الثروة طرح أيديولوجي، بينما صناعة الثروة سؤال معرفي كما يقول أحد أهم المفكرين العرب في مجال التنمية.

ومن أهم أهداف صناعة الثروة رفع دخل الفرد والتحول نحو اقتصاد مبني على المعرفة، وإنشاء مشروعات للمرأة تتناسب مع طبيعتها وتحقق لها الاستقلال وتجنبها عدم الاستغلال. فصناعة الثروة سؤال معرفي يعتمد على: - التدريب والتعليم وبناء القدرات. - تغيير القوانين والتشريعات. - التمويل عن طريق رأس المال القائم على الملكية. و التمويل برأس المال الملائكي. - الدعم الحكومي في فترة النهوض والانطلاق. - اعتماد قوانين الجودة والبيئة والملكية الفكرية وبراءة الاختراعات - توقيع اتفاقيات التعاون الدولي والشراكات، خاصة بين دول الجوار و التكامل مع الجارة تونس التي هي ليبيا أخري بحكم القرب الجغرافي و التداخل الاجتماعي و التي لم يصل حجم التعاون الي طموحات الشعبين فالحكومات الي الآن عاجزة عن تقديم خطط و برامج و مشروعات مشاركة مثل سوق حرة مشتركة في المنطقة الحدودية معفية من الضرائب و الجمارك . و التكامل بدل التنافس .فليبيا لا تستطيع أن تنافس تونس في قطاع السياحة والصحة، بينما تونس لا تستطيع أن تنافس ليبيا في المشروعات الحساسة للطاقة مثل الكهرباء والنفط والبتروكيماويات.

ومن أولى الاتفاقيات الدولية التي يجب على ليبيا توقيعها هي اتفاقية المواصفات الأوروبية للبيئة والتي تؤهل تداول المنتج الليبي داخل السوق الأوروبية الواسعة والغنية.

ونشير مثلاً إلى أن أوروبا تحولت اليوم إلى استعمال المواد البلاستيكية القابلة للرسكلة والتدوير بإضافة مركب الأماين للبلاستيك العادي، مما يخول له إعادة التصنيع، عكس البلاستيك المتداول في ليبيا اليوم والضار بالبيئة والذي يعد من المواد المسرطنة مثل أكياس التسوق التي تلوث التربة حيث تبقى لأكثر من مئة سنة ولا تذوب بل تتحول إلى مواد ضارة بالتربة وبالتالي للمنتج الغذائي. كما أن تبني نموذج التكامل الرباعي للتنمية الذي يجمع بين القطاع العام والقطاع الخاص والجامعات والمركز البحثية مع التمويل سيكون نموذجًا لمشروعات ترى نجاحًا إذا ما تم التطبيق وفق مشروعات تبدأ بتجارب محددة.

وبالنظر للوضع الحالي في السنة الخامسة لأحداث فبراير نرى أن ليبيا تحتاج إلي 1.1 مليون برميل يوميًا لتغطية بند المرتبات فقط وتحتاج إلى 300 ألف برميل للاستهلاك الداخلي. أي بإجمالي 1.4 مليون برميل يوميًا فقط للمرتبات والاستهلاك المحلي. هذا إذا افترضنا سعر البرميل في حدود 40$ للبرميل.. طبعًا هناك خصم تكاليف الصيانة والشريك الأجنبي.

من 1.4 مليون ليبيا الآن تصدر تحت 300 ألف برميل فقط... المبالغ المجمدة والأصول لا تكفي إلا للصرف لمدة 3 سنوات في أحسن تقدير هذا إذا افترضنا أن الحكومة ستباشر عملها من النصف الثاني لعام 2016 في ظروف أمنية جيدة. وإذا ما أرادت ليبيا للعودة المعدل الطبيعي من الصرف وهو المرتبات مع الدعم والتيسيرية والتنمية فإن ليبيا تحتاج إلى إنتاج 3 ملايين برميل في اليوم ولا يمكن الوصول لهذا المعدل قبل حلول سنة 2026 أي عشر سنوات من استلام حكومة موحدة وبلد مستقر تخصص له الميزانيات وبيئة آمنة للشريك الأجنبي.

أما إذا فشلت هذه الحكومة فإن بالإضافة لتدهور الاقتصاد هناك موضوع الإرهاب الذي سوف يسهل على داعش إذا ما تحالفت مع أنصار الشريعة والقاعدة وغيرهم من التكفيريين وحتى الرافضين للوضع إلى التهام مدن كبرى مثل طرابلس.. وهنا يصبح الوضع خارج نطاق السيطرة ولا علاقة لليبيين به.. بل تصبح حربا بين داعش والعالم على أرض ليبية دون كهرباء أو ماء أو مستشفيات، ولكم أن تتخيلوا كم من الضحايا سيقعون بسبب مدافع داعش وطيران التحالف الدولي لمحاربة داعش. فلا توجد حرب نظيفة خاصة إذا طالت لسنوات.

هذا الوضع سيعقد الوضع الاقتصادي في تونس أيضًا، وسيحمل الدولة مصاريف إضافية لمكافحة الإرهاب وسيعيق التكامل الليبي التونسي المعاق أصلاً.  لذلك على الليبيين أن يستعدوا لسيناريوهات ماذا لو فشلت حكومة السراج في السيطرة على كامل طرابلس قبل نهاية مهلة الاتفاق السياسي وحتى لا يقصي العالم الليبيين عن تحديد مصيرهم.

فالسياسة معنية بالنتائج وليس النوايا والسياسة عبارة عن سيناريوهات والذكي من يكون جاهزا بالبديل؛ لذلك يجب على الليبيين من الآن وضع رؤية اقتصادية تقود لاقتصاد وتنمية مستدامة يشارك فيها كل المتخصصين والمهتمين والمهمومين بالوضع الاقتصادي وحتى لا تترك الأمور للصدفة.

كما على القطاع الخاص في ليبيا وتونس أن يتواصل ويدرس الخطط اللازمة للتكامل بين الاقتصاد الليبي والتونسي وعدم ترك الأمور للحكومات فقط التي أثبتت التجربة السابقة عجزها عن مواكبة تحديات العصر.  مشروع اقتصادي يتكامل بين ليبيا وتونس والشريك الأوروبي القريب جغرافيا (الجار الجنب) الذي يعتبر سوقًا مهمًا يصل حجم التداول فيه إلى 18 ترليون يورو سنويًا، ومحتاج للطاقة والغاز والبتروكيماويات والعمالة الشابة الماهرة وبأسعار اقتصادية نسبيًا بالمقارنة مع تكلفة العامل الأوروبي... فإذا استطاعت ليبيا وتونس بما تملكان من الإمكانيات التعاون والتكامل مع هذا السوق الضخم في شراكة لا غالب ولا مغلوب فيها وليس فقط له أثر طيب من ناحية اقتصادية بل أيضا من ناحية أمنية، فبالإضافة إلى رفع الدخل الذي هو عامل من عوامل انخراط المهمشين في الإرهاب، وبذلك يساعد على الاستقرار الأمني للمنطقة والتي تعتبر أوروبا جزءًا منها وأمنها مرتبط بأمن ليبيا وأمن تونس معًا.